للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكلّ هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطوّل كما يطوّل القيام والركوع، وأبدى بعض المالكية فيه بحثًا، فقال: لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حدّ الإطالة في الركوع، قال الحافظ: وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر - رضي الله عنه - بلفظ: "وسجوده نحو من ركوعه".

وهذا مذهب أحمد، وإسحاق، وأحد قولي الشافعي، وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه، واختاره ابن سُريج، ثمّ النوويّ، وتعقّبه صاحب "المهذّب" بأنّه لم يُنقل في خبر، ولم يقل به الشافعيّ. انتهى.

ورُدّ عليه في الأمرين معًا، فإن الشافعيّ نصّ عليه في "البويطيّ"، ولفظه: ثمَّ يسجد سجدتين طويلتين، يقيم في كلّ سجدة نحوًا مما قام في ركوعه. انتهى (١).

وقال الإمام البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه": "باب طول السجود في الكسوف"، قال في "الفتح": أشار بهذه الترجمة إلى الردّ على من أنكره، واستدلّ بعض المالكية على ترك إطالته بأن الذي شُرِع فيه التطويل شُرِع تكراره، كالقيام، والركوع، ولم تشرع الزيادة في السجود، فلا يشرع تطويلة، وهو قياس في مقابلة النصّ، فهو فاسد الاعتبار.

وأبدى بعضهم في مناسبة التطويل في القيام والركوع، دون السجود، أن القائم والراكع يمكنه رؤية الانجلاء، بخلاف الساجد، فإن الآية عُلْوية، فناسب طول القيام لها، بخلاف السجود، ولأن في تطويل السجود استرخاءَ الأعضاء، فقد يفضي إلى النوم، وكلُّ هذا مردود بثبوت الأحاديث الصحيحة في تطويلة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن الصواب مذهب من قال بتطويل السجود في الكسوف؛ كالقيام والركوع؛ لوضوح أدلّته، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ٣/ ٤٢٠.
(٢) "الفتح" ٣/ ٤١٩ - ٤٢٠.