للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَمَرَهُ اللهُ) أي: به، ففيه حذف العائد، وقوله: ({إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦]) بدل من "ما أمره الله".

والمراد بالأمر هنا الندب بالترغيب فيه، وترتيب الأجر عليه، فإنه بمنزلة الأمر، وإلا فلا أمر في الآية.

وقال الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل الأمرُ أنه بوحي في غير القرآن، وَيحْتَمل أن الأمر مفهوم من الثناء على قائل ذلك؛ لأن المدح على الفعل يستلزم الأمر به.

وقال الباجيّ: - رَحِمَهُ اللهُ -: لَمْ يُرِد لفظ الأمر بهذا القول؛ لأنه إنما ورد القرآن بتبشير من قاله، والثناء عليه، وَيحْتَمِل أن يشير إلى غير القرآن، فيُخبر - صلى الله عليه وسلم - عن أمر الباري لنا بذلك، ولذا وصله بقوله: "اللهم أُجُرْنِي … إلخ".

وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فإن قلت: أين الأمر في الآية؛، قلت: لَمّا أمره بالبشارة، وأطلقها ليعمّ كلَّ مبشَّر به، وأخرجه مخرج الخطاب؛ ليعمّ كلّ أحد نبّه على تفخيم الأمر، وتعظيم شأن هذا القول، فنبّه بذلك على كون القول مطلوبًا، وليس الأمر إلَّا طلب الفعل، وأما التلفّظ بذلك مع الجَزَع فقبيح، وسخط للقضاء.

وقال القاري - رَحِمَهُ اللهُ -: والأقرب أن كلّ ما مدح الله تعالى في كتابه من خصلة يتضمّن الأمر بها، كما أن المذمومة فيه تقتضي النهي عنها. انتهى (١).

وقال القرطبيّ: - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فيقول ما أمر الله" هذا تنبيه على قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الآية [البقرة: ١٥٥] مع أنه ليس فيها أمر بذلك، وإنما تضمّنت مدح من قاله، فيكون ذلك القول مندوبًا، والمندوب مأمور به؛ أي: مطلوب ومُقتضىً، وإن سُوِّغ تركه، وقال أبو المعالي: لَمْ يَختلف الأصوليون أن المندوب مقتضًى ومطلوبٌ، وإنما اختلفوا هل يُسمّى مأمورًا به؛، قال القرطبيّ: وهذا الحديث يدلّ على أنه يسمى بذلك. انتهى (٢).

({إنَّا}) أي: إن ذواتنا، وجميع ما يُنسب إلينا ({لِلَّهِ}) ملكًا وخلقًا ({وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}) أي: في الآخرة، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "إنا لله … إلخ" كلمة اعتراف بالملك لمستحقّه، وتسليم له فيما يُجريه في ملكه، وتهوينٌ


(١) "المرعاة" ٥/ ٣٠٩ - ٣١٠.
(٢) "المفهم" ٢/ ٥٧٠.