للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مات، فسأل عن ذلك، فـ (قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ) أي: لم يمت (فَبَكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: رحمةً عليه، يقال: بكَى يبكي بُكًى، وبُكاءً بالقصر والمدّ، وقيل: القصر مع خروج الدموع، والمدّ على إرادة الصوت، وقد جمع الشاعر اللغتين، فقال [من الوافر]:

بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا … وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ

ويتعدَّى بالهمزة، فيقال: أبكيته، ويقال: بَكَيْتُهُ، وبَكَيتُ عليه، وبَكَيتُ له، وبَكَّيتُهُ بالتشديد، وبَكَت السماءُ: أمطرت (١).

(فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) في نسبة البكاء إلى الرؤية إشارة إلى أنه لم يكن إلا خروج الدمعة، (بَكَوْا) بفتح الكاف، كَرَمَوْا، قال في "الفتح": في هذا إشعارٌ بأن هذه القصة كانت بعد قصة إبراهيم ابن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن عبد الرحمن بن عوف كان معهم في هذه، ولم يعترضه بمثل ما اعتَرَضَ به هناك، فدَلّ على أنه تقرر عنده العلم بأن مجرد البكاء بدمع العين من غير زيادة على ذلك لا يضرّ. انتهى (٢).

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("ألَا تَسْمَعُونَ، إِنَّ اللهَ) بكسر الهمزة استئنافًا؛ لأن قوله: "تسمعون" لا يقتضي مفعولًا؛ لأنه جُعل كاللازم، فلا يقتضي مفعولًا؛ أي: ألا توجدون السماعَ، كذا قرّره البرماويّ، والحافظ، كالكرمانيّ، وقد تعقّب ذلك العينيّ، فقال: وما المانع أن يكون بالفتح في محلّ المفعول لـ "تسمعون"، وهو الملائم لمعنى الكلام. انتهى. وقال القسطلّانيّ: لكن الذي في روايتنا بالكسر. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر جواز الأمرين، لكن إن تعينت الرواية بالكسر، كما قال القسطلانيّ، فيتعيّن ما قاله الأولون، فتأمّل، والله تعالى أعلم.

قال الحافظ رحمه الله: وفيه إشارة إلى أنه فَهِم من بعضهم الإنكار، فبَيَّن لهم الفرق بين الحالتين. انتهى.

(لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ) قال القرطبيّ رحمه الله: هذا يدلّ


(١) "المصباح المنير" ١/ ٥٩.
(٢) "الفتح" ٤/ ٦٨.