فأجابهم. قال: وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين، جاز أن يكونوا سامعين، وذلك إما بآذان رؤوسهم، على قول الأكثر، أو بآذان قلوبهم.
قال: وقد تمسك بهذا الحديث مَن يقول إن السؤال يتوجه على الروح والبدن.
وردّه مَن قال إنما يتوجه على الروح فقط، بأن الإسماع يَحْتَمِل أن يكون لأذن الرأس، ولأذن القلب، فلم يبق فيه حجة.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - حينئذ لَمْ يحسن التمسك به في مسألة السؤال أصلًا.
[تنبيه]: اختَلَفَ أهلُ التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، وكذلك المراد بـ {مَنْ فِي الْقبُوُرِ} فحملته عائشة - رضي الله عنها - على الحقيقة، وجعلته أصلًا احتاجت معه إلى تأويل قوله:"ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"، وهذا قول الأكثر، وقيل: هو مجاز، والمراد بالموتي، وبمن في القبور: الكفار، شُبِّهُوا بالموتي، وهم أحياء، والمعنى: مَن هم في حال الموتى، أو في حال من سَكَن القبر، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليلٌ على ما نفته عائشة، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أعلم (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - هذا متّفقٌ عليه، وقد تقدّم تخريجه، وبيان فوائده.
(المسألة الثانية): دل هذا الحديث على أن الموتى يسمعون كلام الأحياء، وأنكرت ذلك عائشة - رضي الله عنها -، محتجّة بآية:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، وقد عرفت جواب أهل العلم عن هذه الآية، فالحقّ أنهم يسمعون كلامهم سماعًا حقيقيًّا.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميّة - رَحِمَهُ اللهُ - هل يسمع الميت كلام زائره؟.