للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو السَّرَقُسْطِيُّ، وابن القَطّاع، واقتصر جماعة على قولهم: أثنيت عليه بخير، ولم يَنفُوا غيرَه، ومن هذا اجترأ بعضهم، فقال: لا يُستعمَل إلا في الحسن، وفيه نظر؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على نفيه عما عداه، والزيادة من الثقة مقبولة، ولو كان الثناء لا يُستعمل إلا في الخير كان قول القائل: أثنيت على زيد كافياً في المدح، وكان قوله: "له الثناء الحسن"، لا يُفيد إلا التأكيد، والتأسيسُ أولى، فكان في قوله: "الحسن" احتراز عن غير الحسن، فإنه يُستعمل في النوعين، كما قال: "والخير في يديك، والشرّ ليس إليك". وفي "الصحيحين": "مَرُّوا بجنازة، فأثنوا عليها خيراً … "، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وَجَبَت"، ثم مرّوا بأخرى، فأثنوا عليها شرًّا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وَجبت"، وسُئل عن قوله: "وجبت؟ "، فقال: "هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنّة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبت له النار … " الحديث. وقد نُقِل النوعان في واقعتين، تراخت إحداهما عن الأخرى، من العدل الضابط، عن العدل الضابط، عن العرب الفصحاء، عن أفصح العرب، فكان أوثق من نقل أهل اللغة، فإنهم قد يَكتفون بالنقل عن واحد، ولا يُعرَف حاله، فإنه قد يَعْرِض له ما يُخرجه عن حيِّزِ الاعتدال، من دَهَشٍ، وسُكْرٍ، وغير ذلك، فإذا عُرِف حاله لم يُحتجّ بقوله.

وَيرجِع قول من قال: لا يُستعمل إلا في الشرّ إلى النفي، وكأنه قال: لم يُسمع، فلا يقال، والإثبات أولى، ولله درّ من قال:

وإِنَّ الْحَقَّ سُلْطَانٌ مُطَاعُ … وَمَا لِخِلَافِهِ أَبَداً سَبِيلُ

وقال بعض المتأخرين: إنما استُعمل في الشرّ في الحديث للازدواج. وهذا كلام من لا يَعرف اصطلاح أهل العلم بهذه اللفظة. انتهى كلام الفيّوميّ - رحمه الله - (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ.

وقوله: (خَيْراً) قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا هو في بعض الأصول "خيراً" و"شرًّا " بالنصب، وهو منصوب بنزع الجارّ؛ أي: فأُثني عليها بخير وبشرّ، وفي بعضها مرفوعٌ. انتهى (٢).

وفي رواية النضر بن أنس، عن أبيه، عند الحاكم: "كنتُ قاعداً عند


(١) "المصباخ المنير" ١/ ٨٥ - ٨٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٧/ ١٩.