قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث عليّ - رضي الله عنه - الذي استدلّوا به على النسخ هو الآتي للمصنّف رحمه الله في الباب التالي أن عليّا - رضي الله عنه - لَمّا ذُكر له القيامُ على الجنازة حتى توضع، قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قعد.
ورواه أحمد، وابن حبان، وغيرهما بلفظ:"كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمرنا بالقيام في الجنازة، ثم جلس بعد ذلك، وأمرنا بالجلوس"، ولفظ البيهقيّ:"ثم قعد بعد ذلك، وأمرهم بالقعود".
ثم إن حديث علي باللفظ الأول لا يدلّ على النسخ، وإنما غايته أن يدلّ على أن الأمر ليس للوجوب، وأما حديثه باللفظ الثاني، فلو صحّ لكان دالًّا على النسخ؛ لقوله فيه:"وأمرنا بالجلوس"، لكنه بهذا اللفظ لا يصحّ؛ لمخالفة محمد بن عمرو بن علقمة لمن هوأحفظ منه، وهو يحيى بن سعيد الأنصاريّ، كما أخرجه مسلم وغيره من طريقه، وتابعه شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن مسعود بن الحكم، باللفظ الأول، وليس عندهما زيادةُ:"وأمرنا بالجلوس"، وإنما هو حكاية فعله عدم، وهو يدلّ على الندب، كما ذكرنا، لا على النسخ.
وأما ما أخرجه أبو داود والترمذيّ، وابن ماجه، والبزّار عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد، فمرّ حبر من اليهود، فقال: هكذا نفعل، فجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال:"اجلسوا، خالفوهم".
فإنه ضعيف؛ لأن في سنده بشر بن رافع، وقد ضعّفه غير واحد، وقال عنه في "التقريب": فقيه ضعيف الحديث، من السابعة، وفيه أيضًا عبد الله بن سليمان، قال البخاريّ: فيه نظر، لا يتابع على حديثه، وأبوه سليمان، قال البخاريّ، وأبو حاتم: منكر الحديث.
وأما ما أخرجه أحمد في "مسنده"(١/ ١٤٢)، والحازمي في "الناسخ والمنسوخ"(ص ١٢١) من طريق أبي معمر، قال:"كنا مع عليّ، فمر به جنازة، فقام لها ناس، فقال عليّ: من أفتاكم هذا؟ فقالوا: أبو موسى، قال: إنما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّة، فكان يتشبه بأهل الكتاب، فلما نُهِي انتهى". لفظ أحمد، ولفظ الحازميّ:"فلما نُسِخ ذلك، ونُهِي عنه انتهى". ففي سنده ليث بن أبي سُليم، وهو متروك.