(فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ) تقدّم ضبطها بالفتح والكسر، وفي رواية البخاريّ:"فمرُّوا عليهما بجنازة"، وفي رواية النسائيّ:"فمُرّ عليهما بجنازة" ببناء الفعل للمفعول" (فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا)؛ أي: الجنازة (مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ)؛ أي: جنازة كافر من أهل الذمّة، وإنما سُمِّي أهل الذمة بأهل الأرض؛ لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقرّوهم على عَمَل الأرض، وحَمْل الخراج إليهم (فَقَالَا)؛ أي: قيس، وسهل - رضي الله عنهما - (إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ، فَقَامَ، فَقِيلَ)؛ أي: له - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّهُ)؛ أي: إن الميت (يَهُودِيٌّ)؛ أي: رجلٌ منسوب إلى يهود، القبيلةِ المعروفة، قال الفيّوميّ رحمه الله: ويقال: هو يَهُودُ، غير منصرف، للعلمية، ووزن الفعل، ويجوز دخول الألف واللام، فيقال: اليهود، وعلى هذا، فلا يمتنع التنوين؛ لأنه نُقل عن وزن الفعل إلى باب الأسماء، وقيل: اليهوديّ نسبة إلى يهودا بن يعقوب عليه السلام، هكذا أورده الصغانيّ "يَهُودا" في باب المهملة. انتهى.
والياء فيه للفرق بين اسم الجنس، وبين واحدة، كما يقال: عرب وعربيّ، وعجم وعجميّ، وروم وروميّ، وترك وتركيّ، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ردّا عليهم، وبيانًا لسبب مشروعيّة القيام للجنازة ("ألَيْستْ نَفْسًا؟ ") المعنى أن القيام إنما شُرع لكونها نفسًا، لا لكونها مؤمنة، ومعنى القيام لكونها نفسًا أنها حلّ بها الموت الذي هوأمر عظيم، وخَطَر جسيم على الإنسان، فينبغي له أن يقابله بالفزع والرهبة، والخضوع والاستكانة، لا بالغفلة، والذهول، والتكبّر والأَنَفَة، وهذا المعنى لا يخص نفس المؤمن، بل يعمّ منفس حلّ بها الموت.
وهذا لا يعارض التعليل السابق في الحديث الماضي بقوله: "إن الموت فَزَغ"، وفي رواية النسائيّ: "إن للموت فَزَعًا"، وكذا ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة، عن أنس - رضي الله عنه -، مرفوعًا، فقال: "إنما قمنا للملائكة"، ونحوه
(١) راجع: قصة القادسية في "البداية والنهاية" لابن كثير ٧/ ٣٨ - ٥٠ وغيره من كتب التواريخ.