"ما أظلت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء، من رجل أصدق لهجة من أبي ذر"(١).
وفي الباب عن أبي الدرداء، وأبي هريرة، وغيرهما، قال أبو إسحاق عن هانئ بن هانيّ، عن علي - رضي الله عنه -: أبو ذر وِعاءٌ مُلِئَ علمًا أُوكِئ عليه، فلم يخرج منه شيء، وقال الآجري عن أبي داود: لَمْ يشهد بدرًا، ولكن عمر ألحقه، وكان يوازي ابن مسعود في العلم.
قال خليفة، وعمرو بن علي، وغير واحد: مات بالرَّبَذَة سنة اثنتين وثلاثين، زاد المدائني: وصلَّى عليه ابن مسعود، ثم مات بعده بيسير، ومناقبه وفضائله كثيرة جدًّا.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (٥٧) حديثًا، والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
١ - (منها): أنه من ثمانيّات المصنّف، فهو سند نازل، لأن أعلى سنده رباعيّات، وأنزلها عُشاريّات.
٢ - (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الجماعة، غير شيخه، في أخرج له الترمذيّ.
٣ - (ومنها): أن ابن بُرَيدة هنا هو عبد الله بن بُريدة، وليس هو سليمان بن بريدة أخاه، وهو وأخوه سليمان ثقتان، تابعيان، جليلان، وُلدا في بطن واحد، في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ويقال: إنهما ماتا في يوم واحد، وليس بشيء، والصحيح أن سليمان مات، وهو على القضاء بمرو سنة (١٠٠)، ثم ولي أخوه عبد الله مكانه إلى أن مات سنة (١١٥).
٤ - (ومنها): أن فيه ثلاثةً من التابعين الْجِلّة يروي بعضهم عن بعض: ابن بُريدة، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود، ورواية الأوّلين من رواية الأقران، فإن كليهما من الطبقة الثالثة.
٤ - (ومنها): أن أبا الأسود رحمه الله تعالى كان من عقلاء الرجال، وهو أول من وضع علم النحو بأمر عليّ - رضي الله عنه -.
(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" (٦٣٤١)، و"الترمذيّ" (٣٧٣٧).