من العلل، وتصحيح الحاكم لها من تساهلاته، وأما غيره كالذهبيّ، وغيره فقد تابعوه في تساهله.
فالأرجح عندي قول من قال بوجوب الزكاة في كلّ ما أخرجت الأرض من الحبوب الذي يَقتات به الآدميّون، وهذا معنى الحبّ المذكور في الحديث الصحيح:"ليس في حبّ، ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق"، على ما قاله أهل اللغة، وهو المخصّص لعموم آية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الآية [البقرة: ٢٦٧]، ولعموم حديث:"فيما سقت السماء العشر … " الحديث.
وأما ما قاله ابن حزم في "المحلّى"(٥/ ٢٢٠ - ٢٢١) من أن الحبّ المذكور في الحديث هو الحنطة والشعير، ولا يطلق في لغة العرب على غيرهما، ونقل ذلك عن بعض أهل اللغة، ففيه تقصير، ومن غريب ما اتفق له في ذلك أن بعض ما نقله يردّ عليه، فإنه قد نقل عن أبي حنيفة الدِّينوريّ، عن الكسائيّ، قال: واحد الْحِبّة حَبّة -بفتح الحاء-، فأما الْحَبّ، فليس إلا الحنطة والشعير، واحدها حَبّة -بفتح الحاء-، وإنما افترقتا في الجمع، ثم ذكر أبو حنيفة بعد هذا الفصل إثر كلام ذكره لأبي نصر، صاحب الأصمعيّ كلامًا نصّه: وكذلك غيره من الحبوب، كالأرز، والدخن.
قال ابن حزم: فهذه ثلاثة جموع: الحبّ للحنطة، والشعير خاصّة، والحبّة -بكسر الحاء، وزيادة الهاء في آخرها- لكلّ ما عداهما من البزور خاصّة، والحبوب للحنطة، والشعير، وسائر البزور. انتهى كلامه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كلام أبي حنيفة المذكور يدلّ على أن الحبّ يطلق على جميع الحبوب؛ لأن الحبوب جمع للْحَبّ، فتفطّن.
ودونك ما قاله أهل اللغة في هذا الباب:
قال الفيّوميّ رحمه اللهُ في "المصباح المنير": والْحَبّ -أي بالفتح-: اسمُ جنس للحنطة، وغيرها، مما يكون في السُّنْبُل، والأَكْمَام، والجمع حُبوب، مثلُ فَلْس وفُلُوس، الواحدة حَبَّة، وتجمع على حبّات على لفظها، وعلى حِبَابٍ، مثل كلبة وكِلاب، والحِبُّ -بالكسر-: ما لا يُقتات، مثل بُزُور