للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي "المصباح": رَغِبتُ في الشيء، ورَغِبتُهُ، يتعدّى بنفسه أيضًا: إذا أردته، رَغْبًا بفتح الغين، وسكونها، ورُغْبَى بفتح الراء وضمها، ورَغْبَاءً بالفتح والمدّ، ورَغِبتُ عنه: إذا لم تُرده. انتهى (١).

(فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ) أي كَرِه الانتساب إليه، وقوله: (فَهُوَ كُفْرٌ) على حذف مضاف، أي ذو كفر، أو من إطلاق المصدر، وإرادة اسم الفاعل، أي كافر، أو وُصف به مبالغةً، كما يقال: زيدٌ عدْلٌ.

ويحتمل أن يكون "هو" راجعًا إلى الرَّغَبِ المفهوم من "رَغِبَ"، أي رغَبُهُ كفر، ولفظ أبي نعيم: "فقد كفر".

قال المازريّ رحمه الله تعالى: هذا يُتأول على ما تقدّم من الاستحلال، أو يكون أراد الكفر اللغوي، بمعنى جَحَدَ حقّ الله، وستره. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حاصل ما أشار إليه أن الانتساب إلى غير الأب يكون عن عقوق، أو كذب، أو قذف، وليس شيء من ذلك كفرًا يُخرج عن الملّة، ولذلك تأول أهل السنّة هذا الحديث على نحو ما تأولوا الأحاديث السابقة، وأنه لا ينصرف إلى الكفر الْمُخْرِج عن الملّة إلا في حق المستحلّ، فيكون المراد كفرَ النعمة، وجحدَ الإحسان، أو يكون المعنى أن عمله شبيه بعمل أهل الكفر، فإن هذا عمل من أعمال الجاهليّة، كما سبق تحقيقه.

وقال في "الفتح": قوله: "فهو كفر" كذا للأكثر، وكذا لمسلم، ووقع للكشميهني: "فقد كَفَرَ"، وسيأتي في "باب رجم الحبلى من الزنا" في حديث عمر الطويل: "لا ترغبوا عن آبائكم، فهو كفر بربكم".

قال ابن بطال رحمه الله تعالى: ليس معنى الحديث أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أنه يدخل في الوعيد، كالمقداد بن الأسود، وإنما المراد به مَنْ تَحَوَّل عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالِمًا عامدًا مختارًا، وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يَتَبَنَّى الرجلُ ولدَ غيره ويصير الولد يُنْسَب إلى الذي تبناه، حتى نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥]، وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: ٤]، فَنُسِب كل واحد إلى أبيه


(١) "المصباح" ١/ ٢٣١.
(٢) راجع: "إكمال المعلم" ١/ ٣٥١.