[تنبيه]: "أقول" هنا، ومثله "قال" فيما يأتي ليس من القول بمعنى الكلام، بل معناه أَصرِفُ، أوأُفَرِّق، أوأُعطي، ونحو ذلك؛ لأن العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتُطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول: قال بيده: أي: أخذه، وقال برجله: أي: مشى، وقال الشاعر:
وَقَالَتْ لَهُ الْعَيْنَانِ سَمْعاً وَطَاعَةً
أي: أومأت، وقال بالماء على يده: أي: قَلَبه، وقال بثوبه: أي: رفعه، وكلُّ ذلك على المجاز والاتساع، كما رُوي في حديث السَّهو:"قال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صَدَقَ"، قيل: إنهم أومأوا برؤوسهم؛ أي: نعم، ولم يتكلموا، وفيه نظرٌ تقدَّم في محلّه، ويقال: قال بمعنى أقبل، وبمعنى مات ومال، واستراح، وضرب، وغلب، وُيعبّر بها عن التهيّؤ للأفعال، والاستعداد لها، فيقال: قال، فأكل، وقال، فضرب، وقال، فتكلّم، ونحو ذلك.
(هَكَذَا حَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَكَذَا عَنْ يَمِينِهِ، وَهَكَذَا عَنْ شِمَالِهِ") وفي رواية البخاريّ: "هكذا، وهكذا، وهكذا، عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه"، قال في "الفتح": هكذا اقتصر على ثلاث، وحُمِل على المبالغة؛ لأن العطيّة لمن بين يديه هي الأصل، والذي يظهر لي أن ذلك من تصرفات الرواة، وأن أصل الحديث مشتمل على الجهات الأربع، ثم وجدته في الجزء الثالث من "البشرانيات"، من رواية أحمد بن ملاعب، عن عُمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، بلفظ: "إلا أن أقول به في عباد الله، هكذا، وهكذا، وهكذا، وهكذا، وأرانا بيده"، كذا فيه بإثبات الأربع، وقد أخرجه البخاريّ في "الاستئذان" عن عُمَر بن حفص مثله، لكن اقتَصَر من الأربع على ثلاث، وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بحر، عن عمر بن حفص، فاقتصر على ثنتين. انتهى.
(قَالَ) أبو ذرّ - رضي الله عنه - (ثُمَّ مَشَيْنَا، فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("يا أبا ذَرً"، قَالَ: قُلْتُ: لبّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ("إِنَّ الأكثَرِينَ هُمُ الْأَقلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وهكذا عند البخاريّ في