للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"أنسٌ" -رضي الله عنه- ذُكر قبله.

وقوله: ({تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}) قال الحسن: لن تكونوا أبرارًا حتى تبذُلوا كبير أموالكم، وقال أبو بكر الورّاق: لن تنالوا بِرّي بكم حتى تبَرُّوا إخوانكم، وقال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: هو الجنّة، وقال مجاهد: ثواب البرّ (١).

وقوله: (قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِي بَرِيحَا للهِ) أي: جعلتها وقفًا لله تعالى، "وبَرِيحَا" في هذه الرواية بفتح الموحّدة، وكسر الراء، وتقديمها على الياء التحتانيّة الساكنة، ثم حاء مهملة، وظاهر النسخ التي بين يديّ أنها مقصورة، وظاهر ما في "الفتح" أنها ممدودة، حيث قال بعد نحو ما مرّ من ضبطها: ورَخح هذا صاحب "الفائق"، وقال: هي وزن فعلاء، من البراح، وهي الأرض الظاهرة المنكشفة. انتهى (٢).

وقوله: (فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ) وتقدّم في الرواية السابقة: "فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه"، وفي رواية للبخاريّ: قال أبو طلحة: أفعل ذلك يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة … إلخ.

فقوله: "أَفْعَلُ " بضم اللام على أنه قول أبي طلحة، وقوله: "فقسمها أبو طلحة" فيه تعيين أحد الاحتمالين في رواية غيره حيث وقع فيها "أفعل فقسمها"، فإنه احتمل الأول، واحتمل أن يكون "افْعَلْ" صيغة أمر، وفاعلُ قسمها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وانتفى هذا الاحتمال الثاني بهذه الرواية، وذكر ابن عبد البرّ أن إسماعيل القاضي رواه عن القعنبيّ، عن مالك، فقال في روايته: "فقسمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقاربه وبني عمه"؛ أي: أقارب أبي طلحة، قال ابن عبد البرّ: إضافة القَسْم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان سائغًا شائعًا في لسان العرب على معنى أنه الآمَر به، لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك، والصواب رواية من قال: "فقسمها أبو طلحة". انتهى (٣). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "المفهم " ٣/ ٤١.
(٢) "الفتح" ٧/ ٩ "كتاب الوصايا" رقم (٢٧٦٩).
(٣) راجع: "الفتح" ٧/ ١٠.