للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابنِ سِيدهْ: الهَيْبَةُ: التَّقِيَّةُ من كُلِّ شَيءٍ، كالمَهابَةِ، وقد هابَهُ يهابُهُ، كخَافَهُ يَخَافُهُ هَيْبًا، وهَيْبَةً، ومَهَابَةً: خافَهُ، وراعَهُ، كاهْتَابَهُ، قال [من البسيط]:

ومَرْقَبٍ تَسْكُنُ العِقْبَانُ قُلَّتَهُ … أَشْرَفْتُهُ مُسْفِرًا والشَّمْسُ مُهْتَابَهْ

وفي "كتاب الأَفعال": هابَه، من باب تَعِبَ: حَذِرَه، ويُقال: هَابَه يَهِيبُه، من باب ضرب، نقله الفَيُّوميُّ في "المصباح".

وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "وكان -صلى الله عليه وسلم- قد أُلقيت عليه المهابة": "كان" هذه هي التي تفيد الاستمرار، ومن ثَمَّ كان أصحابه -صلى الله عليه وسلم- في مجلسه كأن على رؤوسهم الطير، وذلك عزّةٌ منه -صلى الله عليه وسلم-، لا كبر، وسوء خُلُق، وإن تلك العزّة ألبسها الله تعالى إياه -صلى الله عليه وسلم-، لا من تلقاء نفسه. انتهى (١).

[فائدة]: ذكر ابن قَيِّم الجَوْزِيَّةِ رحمه الله فِي الفرْق بين المَهَابَة والكِبْر ما نَصُّه: إِنّ المَهابةَ أَثرُ امتلاءِ القلْبِ بمهابةِ الرَّبّ ومحبَّته، وَإِذا امتلأَ بذلك حلَّ فيه النُّورُ، ولَبِس رِداءَ الهَيْبة، فاكتسَى وَجهُهُ الحَلاوةَ والمَهَابَةَ، فحَنَّت إِليهِ الأَفئدةُ، وقَرَّتْ بها العُيُونُ، وأَمّا الكِبْرُ فهو أَثَرُ العُجْبِ في قلْب مملوءٍ جهلًا وظُلُماتٍ، رانَ عليه المَقْتُ، فنَظَرُهُ شَزْرٌ، ومِشْيَتُهُ تَبخْتُرٌ، لا يبْدأُ بسَلام، ولا يَرى لأَحَدٍ حَقًّا عليه، وَيرى حَقَّهُ على جميع الأَنامِ، فلا يزدادُ من اللهِ تعالى إِلّا بُعْدًا، ولا من النّاس إِلا حَقارًا وبُغْضًا. انتهى. تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا (٢).

وقال الطيبيّ رحمه الله:

(قَالَتْ) زينب -رضي الله عنها- (فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَال) بن رَبَاح، مؤذّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتوفّى سنة (٧ أو ٨ أو ٢٠ هـ) وله بضع وستّون سنة، تقدّمت ترجمته في "الطهارة" ٢٣/ ٦٤٣. (فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأتيْنِ بِالْبَابِ، تَسْأَلَانِكَ أَتجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا) ووقع في بعض النسخ بلفظ: "على زوجيهما" بالتثنية، قال النوويّ رحمه الله: يقال: على زوجيهما، وعلى زوجهما، وعلى أزواجهما، وهي أفصحهنّ، وبها جاء القرآن العزيز في قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤]، وكذا قولها: "في حُجُورهما"، وشبه


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١٥٦٣.
(٢) راجع: "تاج العروس من جواهر القاموس" ٤/ ٤٠٩.