للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"أربعين"، ويُروى "ثلاثة صفوف، ويشفعون فيه إلا شفّعوا فيه"، أو قال: "إلا غُفِر له"، فالله تعالى يثيب هذا الساعي على سعيه الذي هو له، ويرحم ذلك الميت بسعي هذا الحيّ لدعائه له، وصدقته عنه، وصيامه عنه، وحجه عنه.

وقد ثبتٌ في "الصحيح" عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من جل يدعو لأخيه دعوةً إلا وكل الله به ملكًا كلما دعا لأخيه دعوةً قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثله"، فهذا من السعي الذي ينفع به المؤمن أخاه، يثيب الله هذا، ويرحم هذا، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]، وليس كل ما ينتفع به الميت أو الحيّ أو يرحم به يكون من سعيه، بل أطفال المؤمنين يدخلون الجنة مع آبائهم بلا سعي، فالذي لم يجز إلا به أخصّ من كل انتفاع؛ لئلا يطلب الإنسان الثواب على غير عمله، وهو كالدَّين يوفيه الإنسان عن غيره، فتبرأ ذمته، لكن ليس له ما وفى به الدَّين، وينبغي له أن يكون هو الموفي له، والله أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله (١)، وهو تحقيق نفيش جدًّا.

قال الجامع عفا الله عنه: الذي ظهر لي بعد النظر فيما سبق من أقوال أهل العلم وأدلّتهم أن ما جاء النصّ بمشروعيّته، كالصدقة، والعتق، والحجّ، والصوم، والدعاء فالحقّ أنه يصل إلى الميت؛ عملًا بالنصوص الكثيرة الواردة بذلك، وأما ما لم يرد النصّ بمشروعيّته، كقراءة القرآن، ونحو ذلك، فلا ينبغي قياسه على المشروع؛ لعدم ثبوته عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن السلف، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير، ومع ذلك فلم يُنقل عنهم، فتبصّر بالإنصاف، وقد تقدّم هذا التحقيق في "شرح المقدّمة" (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله المذكور أولَ الكتاب قال:

[٢٣٢٧] ( … ) - (وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ (ح) وَحَدَّثنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثنَا أَبو أسَامَةَ (ح) وَحَدَّثَني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ


(١) "مجموع الفتاوى" ٢٤/ ٣٠٦ - ٣١٣.
(٢) راجع: "قرّة عين المحتاج" ٢/ ٨٨ - ٨٩.