للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) -بضم الباء الموحدة، مصغّرًا- اسمه عامر، وقيل: الحارث (عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيس الأشعريّ -رضي الله عنه- (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-) أنه (قَالَ: "لَيَأتِيَنَّ) اللام هي الموطّئة للقسم، و"يأتيَنّ" مؤكّد بالنون الثقيلة، جواب للقسم المقدّر؛ أي: والله ليأتينّ (عَلَى النّاسِ زَمَانٌ، يَطُوفُ) أي: يدور (الرَّجُلُ فِيهِ) أي: في ذلك الزمان (بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذهَبِ) خصّه بالذكر؛ مبالغةً في عدم مَن يَقْبَل الصدقة؛ لأن الذهب أعزّ المعدنيات، وأشرف الأموال، فإذا لم يوجد من يأخذ هذا، ففي غيره بالطريق الأولى.

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يطوف الرجل بصدقته من الذهب" إنما هذا يتضمن التنبيه على ما سواه؛ لأنه إذا كان الذهب لا يقبله أحدٌ، فكيف الظن بغيره؟.

قال: وقوله: "يطوف" إشارة إلى أنه يتردد بها بين الناس، فلا يجد من يقبلها، فتحصل المبالغة والتنبيه على عدم قبول الصدقة بثلاثة أشياء: كونه يَعْرِضُها، ويطوف بها، وهي ذَهَبٌ. انتهى (١).

(ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأخُذُهَا) أي: الصدقة (مِنْهُ، ويُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ) ببناء الفعل للمفعول، وقوله: (يَتْبَعُهُ) جملة في محل النصب على الحال (أَرْبَعُونَ امْرَأةً) قال الكرمانيّ -رحمه الله-: التخصيص بعدد الأربعين لا يدلّ على نفي الزائد؛ أي: فلا ينافي رواية "خمسين امرأة" (يَلُذْنَ بِهِ) أي: يَلتجئن إليه، ويرغبن فيه، وهو بضم اللام، وسكون الذال المعجمة: من لاذ يلوذ لَوْذًا، كقال يقول قولًا (٢): إذا التجأ به، وانضمّ إليه، واستغاث به، وذلك إما لكونهن نساءه وسراريّه، وقيل: من البنات والأخوات، وشِبْهِهِنّ من القرابات.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: معنى "يَلُذْن" يستترن ويتحرّزن به، من الملاذِ الذي هو السترة، لا من اللذّة، وذلك إنما يكون لكثرة قتل الرجال في الملاحم، كما


(١) "شرح النووي" ٧/ ٩٦.
(٢) قال في "القاموس" (١/ ٣٥٨): اللَّوْذُ بالشيءِ: الاستتار، والاحتصانُ به، كاللواذ مثلّثةً، واللياذِ، والْمُلاوذة، والإحاطةُ، كالإلاذة. انتهى.