وهب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"تصدقوا، فيوشك الرجل يمشي بصدقته، فيقول الذي أعطيها: لو جئتنا بها بالأمس قبلتها، فأما الآن فلا حاجة لي بها، فلا يجد من يقبلها".
٢ - (ومنها): أن فيه الإخبارَ بكثرة المال في آخر الزمان، وأن الإنسان لا يجد من يقبل صدقته، حتى يحصل له من ذلك همّ، قال النوويّ: وسبب عدم قبولهم الصدقة في آخر الزمان كثرة الأموال، وظهور كنوز الأرض، ووضع البركات فيها، كما ثبت في "الصحيح" بعد هلاك يأجوج ومأجوج، وقلة الناس وقلة آمالهم، وقرب الساعة، وعدم ادّخارهم المال، وكثرة الصدقات.
٣ - (ومنها): أن فيه عَلَمًا من أعلام النبوّة، حيث أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بما يكون في آخر الزمان، وسيقع ذلك لا محالة، كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن خبره -صلى الله عليه وسلم- صدق مطابق للواقع، لا يتخلّف بوجه من الوجوه.
٤ - (ومنها): الإعلام بما يكون بعده -صلى الله عليه وسلم- من كثرة الأموال، حتى لا يجد صاحب الصدقة من يقبلها، والظاهر أن ذلك بعد قتل عيسى -عليه السلام- الدجال وهلاك الكفّار، فإنه إذا نزل لا يجد أحد من الكفّار نفَسه إلا مات، ونفَسه ينتهي حيث ينتهي طَرْفه، كما سيأتي عند المصنّف في "كتاب الفتن" -إن شاء الله تعالى-، ففي ذلك الوقت لا يبقى بأرض الإسلام كافر، وتنزل إذ ذاك بركات السماء إلى الأرض، والناس إذ ذاك قليلون، لا يدّخرون شيئًا؛ لعلمهم بقرب الساعة، وتردّ الأرض إذ ذاك بركاتها، حتى تكفي الجماعة الرُّمانة الواحدة، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، وهو ما دفنته ملوك العجم، كسرى وغيره، أو ما خلقه الله تعالى في الأرض، ويكثر المال، حتى لا يتنافس فيه الناس.
٥ - (ومنها): أنه استنبط منه بعضهم أنه إذا لم يجد من يقبل صدقته فلا حرج عليه، وهو واضح الحكم والتعليلِ؛ إذ لم يقع منه تقصير، ولا منع، لكن في استنباط ذلك من الحديث نظر؛ لأن غاية ما فيه الإخبار بان هذا سيقع، أما كونه إذا وقع يكون صاحب المال مأثومًا أو غير مأثوم، فليس فيه تعرّض له، قاله في "الطرح"(١).