للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الوادي، وأفاض بالألف لغة، وفاض الإناء فَيْضًا: امتلأ، وأفاضه صاحبه، وفاض الماء والدم: قَطَرَا، وفاض كلُّ سائل: جَرَى، وفاض الخير كَثُر، وأفاضه الله كثَّره، قاله الفيّوميّ -رحمه الله- (١).

وقال في "الطرح": قوله: "ويفيض" بفتح أوله، فسره أهل اللغة بأن معناه يكثر، وحينئذ فيشكل عطفه عليه في قوله: "حتى يكثر فيكم المال، فيفيض"، والذي يظهر لي أن في الفيض زيادةً على الكثرة، ولذلك قال في "المشارق" في قوله: "يفيض المال" أي: يكثر حتى يَفْضُل منه بأيدي مُلاكه ما لا حاجة لهم به. انتهى (٢).

(حَتى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ) أي: ليدفعها لمستحقّها (فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ) لاستغنائهم عنها (وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: أي: تنصرف دواعي العرب عن مقتضَى عاداتهم من انتجاع الغيث، والارتحال في المواطن للحروب والغارات، ومن نخوة النفوس العربيّة الكريمة الأبيّة إلى أن يتقاعدوا عن ذلك، فينشغلوا بغراسة الأرض، وعمارتها، وإجراء مياهها، كما شُوهد في كثير من بلادهم وأحوالهم. انتهى (٣).

وقال النوويّ -رحمه الله-: معناه -والله أعلم- أنهم يتركونها، ويُعْرِضون عنها، فتبقى مُهْمَلة لا تُزْرَع ولا تُسْقَى من مياهها، وذلك لقلة الرجال، وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب الساعة، وقلة الآمال، وعدم الفراغ لذلك، والاهتمام به. انتهى (٤).

قال الجامع عفا الله عنه: ما فسّر به النوويّ هذا الحديث من أن المراد به تعطيل الأراضي، وعدم عمارتها مما لا يخفى بعده، بل الظاهر ما فسّر به القرطبيّ في كلامه المذكور آنفًا؛ لأنه الذي يقتضيه ظاهر سياق الحديث.

وحاصله أن المراد إقبال العرب على استثمار أراضيها، وإحيائها، بإجراء الأنهار، وغرس الأشجار، وزرع الحبوب، وتركها ارتحالها وتنقّلاتها من مكان إلى مكان؛ طلبًا للكلأ، على ما هو المعتاد لها، فإن هذا هو المطابق للواقع،


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٨٥.
(٢) "طرح التثريب" ٤/ ٢٦.
(٣) "المفهم" ٣/ ٥٧.
(٤) "شرح مسلم" ٧/ ٩٧.