للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نوع سَمْسَرَة؛ لأنه لا يعرف أعيان المغصوبين، فيردَّ عليهم، قال: فقلت: واعجبًا من متصدرين للفتوى، لا يعرفون أصول الشريعة، ينبغي أن يُنْظَر في حال هذا المنفق أوّلًا، فإن كان سلطانًا، فما يخرج من بيت المال فقد عُرِفت وجوه مصارفه، فكيف يَمنع مستحقيه، ويَشغله بما لا يفيد، من بناء مدرسة، أو رباط؟، وإن كان من الأمراء، أو نواب السلاطين، فيجب أن يَرُدّ ما يجب رده إلى بيت المال، وإن كان حرامًا، أو غصبًا، فكل تصرّف فيه حرام، والواجب ردُّه على من أُخذ منه، أو ورثته، فإن لم يُعْرَف رَدّه إلى بيت المال، يُصْرَف في المصالح، أو في الصدقة، ولم يَحْظَ آخذه بغير الإثم. انتهى.

وإنما كلامه في السلاطين الذين عهِدهم في وقته الذين يمنعون المستحقين من الفيء حقوقهم، ويتصرفون فيه لأنفسهم تصرف الملّاك ببناء ما يبنونه إليهم من المدارس، والأربطة، ونحوهما، مما قد لا يحتاج إليه، ويَخصّ به قومًا دون قوم، فأما لو فُرض إمام عادل، يعطي الناس حقوقهم من الفيء، ثم يبني لهم ما يَحتاجون إليه من مسجد، أو مدرسة، أو مارستان، ونحو ذلك، كان ذلك جائزًا، فلو كان بعض من يأخذ المال لنفسه من بيت المال بَنَى بما أخذ منه بناءً محتاجًا إليه في حال، فيجوز البناء فيه من بيت المال، لكنه ينسبه إلى نفسه، فقد يتخرج على الخلاف في الغاصب إذا ردّ المال إلى المغصوب منه على وجه الصدقة والهبة، هل يبرأ بذلك أم لا؟.

وهذا كله إذا بنى على قدر الحاجة، من غير سرف، ولا زخرفة، وقد أمر عمر بن عبد العزيز بترميم مسجد البصرة من بيت المال، ونهاهم أن يتجاوزوا ما تصدَّع منه، وقال: إني لم أجد للبنيان في مال الله حقًّا.

ورُوي عنه أنه قال: لا حاجة للمسلمين فيما أضرّ ببيت مالهم.

(واعلم): أن من العلماء من جعل تصرف الغاصب ونحوه في مال غيره موقوفًا على إجازة مالكه، فإن أجاز تصرفه فيه جاز، وقد حَكَى بعض أصحاب أحمد -رحمه الله- عنه أن من أخرج زكاته من مال مغصوب، ثم أجازه المالك جاز، وسقطت عنه الزكاة، وكذلك خرَّج ابن أبي الدنيا رواية عن أحمد أنه إذا أعتق عبدَ غيره عن نفسه ملتزمًا ضمانه في ماله، ثم أجازه المالك جاز، ونفذ عتقه، وهو خلاف نّصّ أحمد.