للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان عن عدم تحقيق، واحتمال أن يكون بعضهم من غير مضر، أوّلَ الوَهْلَة، ثمّ تبيّن له أنّ كلهم من مضر، فأخبر به، فـ "بل" للإضراب الانتقاليّ، تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، وتنقل الحكم إلى ما بعدها، كما هو مقرّرٌ في محلّه من كتب النحاة.

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: والعطف في "بل كلّهم" للحصر، وهو من قصر الموصوف على الصفة؛ أي: لا يتجاوزون عن مضر إلى غيرهم، وكذا العطف في "بل قد عَجَزَت"، وفائدته التأكيد، ورفع توهّم التجوّز. انتهى (١).

(فَتَمَعَرَ) بالعين المهملة: أي: تغيّر، قال ابن الأثير -رحمه الله-: أصل التمعّر قلّة النضارة، وعدم إشراق اللون، من قولهم: مكان أمعر، وهو الْجَدْبُ الذي لا خِصْب فيه. انتهى (٢). (وَجْهُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا رَأَى) بكسر اللام، و"ما" مصدريّة؛ أي: لرؤيته، ويَحْتَمِل أن يكون بفتح اللام، وتشديد الميم، وهي "لَمَّا" الحينيّة؛ أي: حين رأى (بِهِمْ) أي: بهؤلاء القوم الذين جاءوه (مِنَ الْفَاقَةِ) أي: الفقر والحاجة (فَدَخَلَ) أي: دخل -صلى الله عليه وسلم- بيته، ولعلّه لاحتمال أن يجد ما يدفع به فاقتهم (ثُمَّ خَرَجَ) لعله لم يجد في البيت شيئًا (فَأَمَرَ بِلَالًا) -رضي الله عنه- ومفعوله محذف؛ أي: بالأذان (فَأَذنَ) أي: لصلاة الظهر، كما سيأتي في رواية عبد الملك بن عمير الآتية (وَأقَامَ، فَصَلَّى) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلاة الظهر إمامًا للناس (ثُمَّ خَطَبَ) وفي رواية عبد الملك بن عمير الآتية: "فصلّى الظهر، ثم صَعِد منبرًا صغيرًا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الله تعالى أنزل في كتابه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} الآية".

وإنما قرأ -صلى الله عليه وسلم- في خطبته أول سورة النساء؛ تذكيرًا لهم أنهم كلَّهم من أصل واحد، فينبغي لهم أن يَعطِف بعضُهم على بعض (فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ}) أمر الله تعالى خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده، لا شريك له، ونبههم على قدرته التي خلقهم بها {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}) وهي آدم -عليه السلام-.

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأعراف: ١٨٩] أراد بالتلاوة من هذه الآية قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: ١]؛


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٦٦٩.
(٢) "النهاية" ٤/ ٣٤٢.