للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موضعها، حتى تُجِنّ بنانه، وتَعْفُوَ أثره قال: فقال أبو هريرة: "يوسعها فلا تتسع"، وفي هذا الكلام اختلال كثيرٌ؛ لأن قوله: "حتى تُجِنّ بَنَانَهُ، وتَعْفُو أَثَرَه" إنما جاء في المتصدق، لا في البخيل، وهو على ضدّ ما هو وصف البخيل في قوله: "قَلَصَت كلُّ حلقة موضعها وقوله بعد هذا: "يوسعها فلا تتسع"، وهذا من وصف البخيل، فأدخله في وصف المتصدق، فاختلّ الكلام، وتناقض، وقد ذُكِر في الأحاديث على الصواب.

ومنه رواية بعضهم في موضع "تُجنّ": "تحزّ" بالحاء والزاي، وهو وهم، والصواب رواية الجمهور "تُجِنّ " بالجيم والنون؛ أي: تستتر.

ومنه رواية بعضهم: "ثيابه" بالثاء المثلثة، وهو وَهَمٌ، والصواب: "بنانه" بالنون، وهو رواية الجمهور، كما قال في الحديث الآخر: "أنامله".

ومعنى "تَقَلَّصت": انقبضت، ومجنى "تعفو أثره" أي: تمحو أثر مشيه بسبوغها وكمالها، وهو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق، والبخل بضدّ ذلك، وقيل: هو تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء، وتَعَوَّدَ ذلك، وإذا أمسك صار ذلك عادةً له، وفي الحديث الترغيب في الصدقة وفضلها.

وقيل: معنى "تعفو أثره" أي: تذهب بخطاياه، وتمحوها، وقيل في البخيل: "قَلَصت ولَزِمَت كلُّ حلقة مكانها" أي: يُحْمَى عليه يوم القيامة، فيُكْوَى بها، والصواب الأول، والحديث جاء على التمثيل، لا على الخبر عن كائن، وقيل: ضُرِب المثل بهما؛ لأن المنفق يستره الله تعالى بنفقته، ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، كستر هذه الْجُنَّة لابسها، والبخيل كمن لَبِس جُبّة إلى ثدييه، فيبقى مكشوفًا بادي العورة، مُفتضَحًا في الدنيا والآخرة. انتهى كلام القاضي عياض -رحمه الله- ببعض تصرّف، وهو تحقيقٌ مفيدٌ جدًّا (١).

وقوله: (كَمَثَلِ رَجُلٍ) قال النوويّ -رحمه الله-: هكذا وقع في الأصول كلّها "كمثل رجل" بالإفراد، والظاهر أنه تغيير من بعض الرواة، وصوابه: "كمثل رجلين". انتهى.


(١) راجع: "إكمال المعلم" ٣/ ٥٤٥ - ٥٤٧.