للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ رحمه الله: معناه: إن بذلت الفاضل عن حاجتك، وحاجة عيالك فهو خير لك؛ لبقاء ثوابه. انتهى.

قيل: وفي التعبير بالفضل دون مطلق المال إشعار بأنه لا ينبغي له أن يبذل المال كلّه، وإنما يبذل ما فضل عنه؛ لئلا يضيّع من تجب عليه نفقته (١)، فقد أخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنها-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثمًا أن يَحبس عمن يملك قوته"، ولفظ أبي داود: "كفى بالمرء إثمًا أن يُضَيِّع من يقوت" (٢).

(وَأَنْ) بالفتح مصدريّة أيضًا (تُمْسِكَهُ)؛ أي فإمساكك الفضل (شَرٌّ لَكَ) وذلك لأنه إن أمسك عن الواجب استَحَقَّ العقاب عليه، هان أمسك عن المندوب فقد نَقَصَ ثوابه، وفَوَّت مصلحة نفسه في آخرته، وهذا كله شرّ.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "أن تبذل الفضل إلخ" يعني به الفاضل عن الكفاية، ولا شكّ في أن إخراجه أفضل من إمساكه، فأما إمساكه عن الواجبات فشرّ على كلّ حال، وأما إمساكه عن المندوب إليه فقد يقال فيه: شرّ بالنسبة إلى ما فوّت الممسك على نفسه من الخير، وقد تقدّم بيان هذا المعنى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وشرّ صفوف الرجال آخرها"، وأن معنى ذلك أنها أقلّ ثوابًا. انتهى (٣).

(وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ) بفتح الكاف: هو من الرزق القوت، وهو ما كَفّ عن الناس، وأغنى عنهم، والمعنى: لا تُذَمّ على حفظه وإمساكه، أو على تحصيله وكسبه، ومفهومه: إنك إن حفظت أكثر من ذلك، ولم تتصدق بما فضل عنك، فأنت مذموم وبخيل وملوم (٤).

وقال النوويّ رحمه الله: معنى قوله: "ولا تلام على كَفَاف" أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه، وهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حقّ شرعيّ، كمن كان له نصاب زكويّ، ووجبت الزكاة بشروطها، وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه


(١) راجع: "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٣١٩.
(٢) أخرجه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح.
(٣) "المفهم" ٣/ ٨٢.
(٤) راجع: "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٣١٩.