للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكذلك نَهَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن السُّخْريّة، واللَّمْز، والنَّبْزِ (١)، والغيبة، والْقَذْف، وكلُّ هذا من أعمال أهل الجاهليّة، فقد أخرج أبو داود في "سننه" بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عزَّ وجلَّ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ (٢) الجاهلية، وفخرها بالآباء، مؤمن تَقِيّ، وفاجر شَقِيٌّ، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرهم بأقوام، إنما هم فَحْمٌ من فَحْمِ جهنم، أو ليكونُنّ أهون على الله من الْجعْلان التي تَدْفعُ بأنفها النَّتِنَ" (٣).

وقال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية [الحجرات: ١٣]، فعرّف نعمته بالأنساب للتعارف والتواصل، فمن تسوّر على قطعها والْغَمْص فيها، فقد كفر نعمة ربّه وخالف مراده.

وكذلك أمر الله تعالى بالصبر، وأثنى على الصابرين، ووعدهم رحمته وصِلاته، ووصفهم بهدايته، وحتَمَ الموت على عباده، فمن أبدى السُّخْط والكراهة لقضاء ربّه، وفَعَلَ ما نهاه عنه، فقد كفر نعمته فيما أعدّ للصابرين من ثوابه، وتشبّه بمن كفر من الجاهليّة به. انتهى كلام القاضي ببعض تصرف (٤).

٢ - (ومنها): عناية الشارع بتنبيه الناس على البعد من أعمال الجاهليّة، فإنها منافية للإسلام ومناقضة للعهد الذي أخذه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم، لا يَظْلِمه، ولا يُسْلِمه … " الحديث.

وأخرجا أيضًا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا


(١) "اللمز" عيب الناس، والوقوع فيهم، والإشارة بالعين ونحوها، وخضه بعضهم بأن يكون في قفا الملموز، و"النَّبْز": هو التعيير بما يكره من الألقاب.
(٢) بضم العين وكسرها، وتشديد الموحدة والياء: الكبر والتجبر، والنخوة.
(٣) حديث حسن، رجاله رجال الصحيح، غير هشام بن سعد، وهو مختلف فيه، وحديثه حسن، وأخرج له مسلم في الشواهد، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو زرعة: محله الصدق، وقال العجليّ: جائز الحديث، حسن الحديث، وبالجملة فحديثه حسن، والله تعالى أعلم.
(٤) "إكمال المعلم" ١/ ٣٦١ - ٣٦٣.