للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ) أي الكامل في المسكنة، قال القرطبيّ رحمه الله: مِفْعيل من السكون، فكأنّ مَنْ عَدِمَ المالَ سكنت حركاته، ووجوه مكاسبه، ولذلك قال تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)} [البلد: ١٦] أي لاصقًا بالتراب، وعند الأصمعيّ: أنه أسوأ حالًا من الفقير، وعند غيره عكس ذلك، وقيل: هما اسمان لمسمّى واحد. انتهى (١)، وسنكمّل الكلام في ضبط المسكين، واشتقاقه، وفي الفرق بينه والفقير في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى-.

قال النوويّ رحمه الله: معناه: المسكين الكامل المسكنة الذي هو أحقّ بالصدقة، وأحوج إليها، ليس هو هذا الطّوّاف، بل هو الذي لا يَجِد غِنًى يُغنيه، ولا يُفْطَن له، ولا يَسأل الناس، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطَوّاف، بل معناه نفي كمال المسكنة، كقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: ١٧٧] إلى آخر الآية. انتهى (٢).

وقال وليّ الدين رحمه الله: قال العلماء: معنى الحديث أن المسكين الكامل المسكنة هو المتعفّف الذي لا يطوف على الناس، ولا يسألهم، ولا يُفْطَن لحاله، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطَّوَّاف، وإنما معناه نفي كمالها، وهذا كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون من المفلس؟ … " الحديث، وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون من الرَّقُوب؟ … وكقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} الآية.

واستَدَلّ ابن عبد البرّ على إطلاق اسم المسكنة على الطَّوّاف بحديث أم بجيد -رضي الله عنها- مرفوعًا: "رُدُّوا المسكين، ولو بظِلْف مُحْرَق"، وبقول عائشة -رضي الله عنها-: "إن المسكين ليقف على بابي … " الحديث، قال: وقد جعل الله تعالى الصدقات للفقراء والمساكين، وأجمعوا أن السائل الطَّوّاف المحتاج مسكين. انتهى (٣).


(١) راجع: "المفهم" ٣/ ٨٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٧/ ١٢٩.
(٣) "طرح التثريب" ٤/ ٣٢ - ٣٣.