أيضًا ببيت الراعي، وزعم أنه أعدل شاهد على صحّة ذلك، وهو قوله: أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ؛ لأنه قال: أما الفقير الذي كانت حَلُوبته، ولم يقل: الذي حلوبته، وقال: فلم يُترك له سَبَدٌ، فأعلمك أنه كانت له حلوبة تقوت عياله، ومن كانت هذه حاله، فليس بفقير، ولكن مسكين، ثم أعلمك أنها أُخذت منه، فصار إذ ذاك فقيرًا؛ يعني ابنُ حمزة بهذا القول أنّ الشاعر لم يُثبت أن للفقير حَلوبة؛ لأنه قال: الذي كانت حلوبته، ولم يقل: الذي حلوبته، وهذا كما تقول: أما الفقير الذي كان له مالى، وثَرْوَةٌ، فإنه لم يُترك له سَبَد، فلم يُثبت بهذا أن للفقير مالًا وثروة، وإنما أثبت سُوء حاله الذي به صار فقيرًا، بعد أن كان ذا مال وثروة، وكذلك يكون المعنى في قوله:
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
أنه أثبت فقره لعدم حلوبته بعد أن كان مسكينًا قبل حلوبته، ولم يُرد أنه فقير مع وجودها، فإنّ ذلك لا يصحّ كما لا يصحّ أن يكون للفقير مالٌ وثروة في قولك: أما الفقير الذي كان له مالٌ وثروة؛ لأنه لا يكون فقيرًا مع ثروته وماله.
قال: فثبت بهذا أن المسكين أصلح حالًا من الفقير، قال عليّ بن حمزة: ولذلك بدأ الله تعالى بالفقير قبل من يستحقّ الصدقة من المسكين وغيره، وأنت إذا تأمّلت قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية [التوبة: ٦٠]، وجدته سبحانه قد رتّبهم، فجعل الثاني أصلح حالًا من الأول، والثالثَ أصلح حالًا من الثاني، وكذلك الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، والثامن. قال: ومما يدلّك على أن المسكين أصلح حالًا من الفقير أن العرب قد تسمّت به، ولم تتسمّ بفقير لتناهي الفقر في سوء الحال، ألا ترى أنهم قالوا: تمسكن الرجل، فبنوا منه فعلًا على معنى التشبيه بالمسكين في زيّه، ولم يفعلوا ذلك في الفقير؛ إذ كانت حاله لا يَتزيّا بها أحد، قال: ولهذا رَغِبَ الأعرابيّ الذي سأله يونس عن اسم الفقير لتناهيه في سوء الحال، فآثر التسمية بالمسكنة، أو أراد أنه ذليلٌ لبعده عن قومه ووطنه، قال: ولا أظنّه أراد إلا ذلك، ووافق قولُ الأصمعيّ، وابنِ حمزة في هذا قولَ الشافعيّ.
وقال قتادة: الفقير الذي به زمانة، والمسكين الصحيح المحتاج، وقال