للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وما تدعو الحاجة والضرورة إلى المسألة فيه يزيد على الثلاثة المذكورين في هذا الحديث الذي نحن باحثون فيه. انتهى (١).

(يَكلُهَا) أي يأكل ما يحصل له بالمسألة، قاله الطيبيّ رحمهُ اللهُ، وقال الصنعانيّ رحمهُ اللهُ: "يأكلها": أي الصدقة، أنّث الضمير؛ لأنه جعل السحت عبارة عنها، وإلا فالضمير له. انتهى. (صَاحِبُهَا) أي صاحب المسألة (سُحْتًا") منصوب على الحال، أو بدل من الضمير المنصوب في "يأكلها".

وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "يأكلها صاحبها سُحتًا" صفة لـ"سُحْتٌ" الماضي، والضمير الراجع إلى الموصوف مؤنّثٌ على تأويل الصدقة، وفائدة الصفة أن آكل السحت لا يجد للسحت الذي يأكله شبهة تجعله مباحًا على نفسه، بل يأكلها من جهة السحت، كما في قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} الآية [البقرة: ٦١]؛ أي يقتلونهم على اعتقاد أن قتلهم غير مباح (٢)، وليس لهم حقّ عليهم، والتعريف في "المسألة" إما للعهد، فيكون الكلام في الزكاة، وإما للجنس، فيشمل التطوّع والفرض، وقرينة الأولى التفصيل؛ لأن التحمّل لا يكون إلا للغارم، وإصابة الجائحة للثمار إنما يُتصوّر في المساكين، وإصابة الفاقة للفقير.

[فإن قلت]: ما وجه تخصيص من أصابته الجائحة بالمساكين، ومن أصابته الفاقة بالفقير، وقد عَقَب كلًّا بقوله: "حتى يُصيب قوامًا من عيش"؟.

[قلنا]: الفرق ظاهرٌ، فإن من أصابته الآفة السماويّة، واستأصلت ثماره قد تبقى له الأرض والزرع، فيُعطَى ما يتقوم به من العيش، ولا يؤمر ببيع ما بقي وإنفاقه على نفسه، ولا يُعْنَى بالمسكين إلا هذا، ومن ثَمَّ لم تُطلب البيّنة في إصابة الحقّ الجائحة لظهورها كما تطلب في إصابة الفاقة، وتبيّن من هذا الفرق بين الفقير والمسكين، فلما خصّصت المسألة بالزكاة المفروضة عُلِم أن حكم التطوّع غير هذا.

[فإن قلت]: فلم خُصّ هؤلاء بالذكر دون سائرهم؟.


(١) "المفهم" ٣/ ٨٩.
(٢) وقع في النسخة: "أن على اعتقاد أن قتلهم مباح"، والظاهر أن كلمة "غير" سقطت منه، فتنبّه.