أَفْلَحَ) أي فاز بالبغية (مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا) -بفتح الكاف، وتخفيف الفاء-: هو الكفاية بلا زيادة ولا نقص؛ أي رزقه الله تعالى ما يَكُفّ من الحاجات، ويدفع الضرورات والفاقات، ولا يُلْحِقه بأهل التَّرَفُّهات (وَقَنَّعَهُ) بتشديد النون (اللهُ بِمَا آتَاهُ) بمد الهمزة: أي جعله قانعًا بما أعطاه إياه، ولم يطلب الزيادة؛ لمعرفته بان رزقه مقسوم، لن يَعْدُو ما قُدِّر له.
قال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: الفلاح الفوز بالبغية في الدارين، والحديث قد جَمَعَ بينهما، والمراد بالرزق الحلال منه، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مَدَح المرزوق، وأثبت له الفلاح، وذكر أمرين، وقيد الثاني بـ "قَنَّعَهُ"؛ أي رُزِق كفافًا، وقَنَّعه الله بالكفاف، فلم يطلب الزيادة، وأطلق الأول؛ ليشمل جميع ما يتناوله الإسلام، كما قال الله تعالى لإبراهيم عليه السَّلام:{أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: ١٣١].
قال الراغب: رحمهُ اللهُ: والإسلام على ضربين:
[أحدهما]: دون الإيمان، وهو الاعتراف باللسان، وبه يُحقَن الدم، حَصَلَ معه الاعتقاد، أو لم يَحْصُل.
[والثاني]: فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل، واستسلام لله تعالى في جميع ما قَضَى وقدَّرَ، كما ذكره عن إبراهيم عليه السَّلام في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١)} [البقرة: ١٣١]، والحديث كما ترى جامع للحسنيين، حاوٍ لنعمة الدارين، فحقيقٌ بأن يقال: إنه من جوامع الكلم. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- هذا من أفراد المصنف رحمهُ اللهُ.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
(١) راجع: "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٢٧٩ - ٣٢٨٠.