للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الماضي أيضاً على غير قياس، حِسْباناً بالكسر، بمعنى ظننت، قاله الفيّوميّ - رحمه الله - (١). (أَنَّهُ لَهُمْ) أي أن القرآن شافعٌ لهم، ومقرّب إلى ربهم (وَهُوَ عَلَيْهِمْ) جملة حاليةٌ؛ أي والحال أن القرآن حجة عليهم حيث لم يؤمنوا به حقّ الإيمان به، ويتلوه حقّ تلاوته، قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٢١)} [البقرة: ١٢١] (لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ) قيل: المراد قراءتهم، كما في الرواية الأخرى، وإطلاق الصلاة على القراءة شائع، كعكسه، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الماضي مرفوعاً: "قَسمت الصلاة بيني وبين عبدي … الحديث"، فقد أطلق الصلاة على الفاتحة، وكما في قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨)} [الإسراء: ٧٨]، فقد أطلق قرآن الفجر على صلاة الفجر.

ويَحْتَمِل أن يراد بالصلاة الإيمان، فقد فُسّر قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣] بالصلاة، فيكون المعنى: لا يجاوز إيمانهم تراقيهم، فلا يدخل قلوبهم، ويؤيّد هذا ما وقع في "صحيح البخاريّ" بلفظ: "لا يُجاوز إيمانهم حناجرهم"، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: لا تجاوز صلاتهم تراقيهم" هو كناية عن أنها لا تُقبل، ولا ينتفعون بها، أو يعني بذلك أن دعاءهم لا يُسمع. انتهى (٢).

(تَرَاقِيَهُمْ) جمع: تَرْقُوة وزانُ فَعْلُولة بفتح الفاء، وضمّ اللام، وهي العظم الذي بين ثُغْرة النَّحْر والعاتق من الجانبين، قال بعضهم: لا تكون التَّرْقُوة لشيء من الحيوان إلا للإنسان خاصّة (٣).

(يَمْرُقُونَ) أي يخرجون (مِنَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ) أي الصيد المرميّ (لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ) أي يقتلونهم (مَا قُضِيَ لَهُمْ) أي حكم به (عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - لَاتَّكَلُوا عَلى الْعَمَلِ) هكذا في نسخة شرح الأبيّ، ووقع في نسخة النوويّ: "لاتّكلوا عن العمل"، والأول هو الذي عند القرطبيّ في "مختصره"، وقال في "شرحه": الألف واللام في "العمل" للعهد، فكأنه قال: لاتّكلوا على ثواب ذلك العمل،


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٣٤.
(٢) "المفهم" ٣/ ١١٨.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٧٤.