للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاستفهام الإنكاريّ التوبيخيّ؛ أي لا ينبغي، ولا يصحّ أن يحصل هذا، وغرضه بذلك الحثّ على المبادرة بقتالهم قبل قتال معاوية وأهل الشام (وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُوأَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ) بالنصب بدلاً من اسم الإشارة، واسم الإشارة خبر "يكونوا"؛ يعني أن هؤلاء الحروريين هم الذين وصفهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالصفات السابقة؛ لانطباقها عليهم، ثم أكّد ذلك بقوله: (فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ) حيث قتلوا عبد الله بن خبّاب ذبحوه، وبقروا بطن جاريته، وهي حُبلى، وكان والياً لعليّ - رضي الله عنه - على بعض تلك البلاد، وقد سبقت قصّته (وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ) أي مواشيهم، حيث عَدَوا على قوم من بني قطيعة، فقتلوا الرجال، وأخذوا الأموال، وغَلُّوا الأطفال في المراجل، كما ذكره ابن عبد البرّ - رحمه الله - (١).

(فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللهِ) أي على بركة اسم الله تعالى (قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلاً) أي أخبرني بالمواضع التي نزلها عليّ - رضي الله عنه - مع جيشه منزلاً منزلاً واحداً واحداً، قال القرطبيّ - رحمه الله -: وصوابه منزلاً منزلاً مرتين؛ لأن معناه أخبرني بالمنازل مفصَّلةً، فهو منصوب على الحال، كما تقول العرب: علّمته الحساب باباً باباً، ولا يُكتفَى في هذا النوع بذكر مرّة واحدة؛ لأنه لا يفيد ذلك، غير أنه وقع هنا منزلاً مرّةً واحدةً لجميع رواة مسلم فيما أعلم، وقد جاء في كتاب النسائيّ: "منزلاً منزلاً"، وهو الصحيح. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "منزلاً" هكذا هو في معظم النسخ مرّةً واحدةً، وفي نادر منها "منزلاً منزلاً" مرتين، وكذا ذكره الحميديّ في "الجمع بين الصحيحين"، وهو وجه الكلام؛ أي ذَكَرَ لي مراحلهم بالجيش منزلاً منزلاً حتى بلغ القنطرة التي كان القتال عندها، وهي قنطرة الديزجان (٣)، كذا جاء مبيناً في "سنن النسائي"، وهناك خطبهم عليّ - رضي الله عنه -، ورَوَى لهم هذه الأحاديث. انتهى.


(١) راجع: "جامع بيان العلم وفضله" ٢/ ١٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ١١٩.
(٣) كذا في "سنن النسائيّ الكبرى" ٥/ ١٦٣ ولم أجد من تكلّم فيها، والله تعالى أعلم.