(فَرَجَعُوا) أي إلى أماكنهم بعد خروجهم لمواجهة المقاتلين لهم (فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ) أي رموا بها عن بُعد، وقال القرطبيّ: أي صيّروها كالوحش بعيدةً منهم، وهو بتشديد الحاء، يقال: وحّش الرجل: إذا رمى بثوبه، وبسلاحه مخافة أن يُلْحَق، قال الشاعر [من الكامل]:
(وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمْ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ) هو بفتح الشين المعجمة، والجيم المخففة: أي داخلوهم، وطاعنوهم بها، قال ابن دُريد: تشاجر القوم بالرماح: إذا تطاعنوا بها، ومنه التشاجر في الخصومة.
(قَالَ) زيد بن وهب - رحمه الله -: (وَقُتِلَ) بالبناء للمفعول (بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ) أي من أصحاب عليّ - رضي الله عنه - (يَوْمَئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ) لم يُعرف اسمهما (١).
(فَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: الْتَمِسُوا) أي طلبوا (فِيهِمْ) أي في هؤلاء القتلى (الْمُخْدَجَ) أي الناقص اليد، وهو الذي تقدّم في قوله:"وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضدٌ، ليس له ذراع … "(فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ) أي لكونه تحت القتلى (فَقَامِ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَتَى نَاساً، قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: أَخِّرُوهُمْ، فوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ) أي قال عليّ - رضي الله عنه -: "الله أكبر" تعجباً، واستعظاماً لظهور مصداق ما أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الخوارج (ثُمَّ قَالَ) - رضي الله عنه - (صَدَقَ اللهُ) أي فيما أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أمر هؤلاء (وَبَلَّغَ رَسُولُهُ) - صلى الله عليه وسلم - أمته ما أوحي إليه.
(قَالَ) زيد بن وهب (فَقَامَ إِلَيْهِ) أي إلى عليّ - رضي الله عنه - (عَبِيدَةُ) - بفتح العين المهملة، وكسر الموحّدة - ابن عمرو (السَّلْمَانِيُّ) بإسكان اللام: منسوب إلى سَلْمان جدّ قبيلة معروفة، وهم بطن من مُراد، قاله ابن أبي داود السجستانيّ، أسلم عَبيدة قبل وفاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، ولم يره، وسمع عمرَ وعليًّا، وابنَ مسعود، وغيرَهُم من الصحابة - رضي الله عنهم -.