للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التي حُرِّمت عليه، لا لكونها مَرْميّة في الطريق فقط (١).

(ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً) أي من جملة تمر الصدقة التي تولّى قسمتها، فسقطت تلك منها (فَأُلْقِيهَا") قال في "العمدة": بضم الهمزة، من الإلقاء، وهو الرمي، وقال الكرمانيّ: "فألقيها" بالرفع، لا غير؛ يعني أنه لا يجوز نصب الياء فيه؛ لأنه معطوف على قوله: "فأرفعها فإذا نُصِب ربما يُظَنّ أنه عطف على قوله: "أن تكون"، فيَفْسُدُ المعنى. انتهى (٢).

وقال المهلّب - رحمه الله -: إنما ترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أكل التمرة تنزهاً عنها؛ لجواز أن تكون من تمر الصدقة، وليس على غيره بواجب أن يتبع الجوازات؛ لأن الأشياء مباحة، حتى يقوم الدليل على الحظر، فالتنزه عن الشبهات لا يكون إلا فيما أشكل أمره، ولا يُدْرَى أحلال هو أم حرام؟ واحتمل المعنيين، ولا دليل على أحدهما، ولا يجوز أن يُحكم على من أخذ مثل ذلك أنه أخذ حراماً؛ لاحتمال أن يكون حلالاً، غير أنا نَستحب من باب الورع أن نقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما فَعَل في التمرة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للنوّاس بن سمعان - رضي الله عنه -: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطّلع فيه الناس"، رواه مسلم (٣).

وقال ابن عمر - رضي الله عنه -: لا يبلغ أحد حقيقة التقوى حتى يَدَعَ ما حاك في الصدور (٤).

وقال في "الفتح": قال المهلَّب - رحمه الله -: لعله - صلى الله عليه وسلم - كان يَقْسِم الصدقة، ثم


(١) "الفتح" ٦/ ٢٤٤ كتاب "اللقطة" رقم (٢٤٣١ و ٢٤٣٢).
(٢) "عمدة القاري" ١٢/ ٢٧٤.
(٣) وأخرجه أحمد، والدارميّ من حديث وَابِصَةَ بن مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال لِوَابِصَةَ: "جِئْتَ تَسْأَلُ عن الْبِرِّ والأثم؟ "، قال: قلت: نعم، قال: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ، فضَرَبَ بها صَدْرَهُ، وقال: "اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، يا وَابِصَةُ -ثَلَاثاً- الْبِرُّ ما اطْمَأَنَّتْ إليه النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إليه الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ ما حَاكَ في النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وإن أَفْتَاكَ الناس، وَأَفْتَوْكَ"، وهو حديث حسنٌ.
(٤) "عمدة القاري"١١/ ١٧١.