للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إبليس شيطان آخر، فمعصيته ما كانت إلا من قبل نفسه، والله تعالى أعلم (١).

وقال في "الفتح": قال الْحَلِيميّ: يَحْتَمِل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه؛ لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع، فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، ويَحْتَمِل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن والذكر، وقال غيره: المراد بالشياطين بعضهم، وهم المردة منهم، وترجم لذلك ابن خزيمة في "صحيحه"، وأورد ما أخرجه هو والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، والحاكم من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفّدت الشياطين، ومردة الجنّ"، وأخرجه النسائيّ من طريق أبي قلابة، عن أبي هريرة، بلفظ: "وتُغلّ فيه مردة الشياطين"، زاد أبو صالح في روايته: "وغُلِّقَت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنّة، فلم يُغلق منها باب، ونادى مُنادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرّ أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كلّ ليلة"، لفظ ابن خُزيمة.

وقوله: "صُفّدت" بالمهملة المضمومة، بعدها فاء ثقيلة مكسورة: أي شدّت بالأصفاد، وهي الأغلال، وهي بمعنى "سُلسلت"، ونحوه للبيهقيّ من حديث ابن مسعود، وقال فيه: "فتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها بابٌ الشهرَ كلّه".

قال عياض: يَحْتَمِل أنه على ظاهره، وحقيقته، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر، وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويَحْتَمِل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقلّ إغواؤهم، فيصيرون كالمصفّدين، قال: ويؤيّد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس، عن ابن شهاب، عند مسلم: "فتحت أبواب الرحمة"، قال: ويَحْتَمِل أن يكون فتح أبواب الرحمة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات، وذلك أسباب


(١) انظر: "شرح السنديّ" ٤/ ١٢٦ - ١٢٧.