للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - (ومنها): أن فيه بيانًا لمعنى قوله في الحديث الماضي: "صوموا لرؤيته"، فإن اللام فيه للتأقيت، لا للتعليل، قال ابن دقيق العيد: ومع كونها محمولةً على التأقيت، فلا بُدّ من ارتكاب مجاز؛ لأن وقت الرؤية، وهو الليل، لا يكون محل الصوم، وتعقبه الفاكهيّ بأن المراد بقوله: "صوموا" انووا الصيام، والليل كله ظرف للنية.

قال الحافظ: فوقع في المجاز الذي فَرّ منه؛ لأن الناوي ليس صائمًا حقيقة، بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر.

٤ - (ومنها): أن فيه منعَ إنشاء الصوم قبل رمضان؛ إذا كان لأجل الاحتياط، فإن زاد على ذلك، فمفهومه الجواز، وقيل: يمتدّ المنع لما قبل ذلك، وبه قطع كثير من الشافعية، وأجابوا عن الحديث بأن المراد منه التقدُّم بالصوم، فحيث وُجِد مُنِع، وإنما اقتصر على يوم أو يومين؛ لأنه الغالب ممن يقصد ذلك، وقالوا: أمد المنع من أول السادس عشر من شعبان؛ لحديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، مرفوعًا: "إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا". أخرجه أصحاب "السنن"، وصححه ابن حبّان، وغيره.

وقال الرويانيّ من الشافعيّة: يحرم التقدّم بيوم، أو بيومين؛ لحديث الباب، ويكره التقدّم من نصف شعبان للحديث الآخر.

وقال جمهور العلماء: يجوز الصوم تطوّعًا بعد النصف من شعبان، وضعّفوا الحديث الوارد فيه، وقال أحمد، وابن معين: إنه منكر، واستدلّ البيهقيّ بحديث الباب على ضعفه، فقال: الرخصة في ذلك بما هوأصحّ من حديث العلاء، وكذا صنع قبله الطحاويّ، واستظهر بحديث ثابت، عن أنسٍ -رضي الله عنه- مرفوعًا: "أفضل الصيام بعد رمضان شعبان"، لكن إسناده ضعيف، واستظهره أيضًا بحديث عمران بن حُصين -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: "أصمت من سَرَر شعبان شيئًا؟ "، قال: لا، قال: "فإذا أفطرت من رمضان، فصم يومين"، متّفقٌ عليه.

ثم جمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم، وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، قال الحافظ: وهو جمع