ويحتمل أن يقال: إن اللفظ خرج على معنى التحذير، فلا يراد ظاهره، ومن ثَمَّ لم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده، بل قابله بالنفاق؛ إشارة إلى أن الترغيب والترهيب، إنما خوطب به من يظهر الإيمان، أما من يظهر الكفر فلا؛ لأنه مرتكب ما هو أشد من ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس رضي الله تعالى عنه هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا في "كتاب الإيمان"[٣٥/ ٢٤٢ و ٢٤٣](٧٤)، و (البخاريّ) في "كتاب الإيمان"(١٧) و"كتاب المناقب"(٣٧٨٤)، و (النسائيّ) في "كتاب الإيمان"(٥٠٢١)، و (أحمد) في "مسنده"(١١٩٠٧ و ١١٩٦١ و ١٣١٩٥)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(٢٣٣ و ٢٣٤)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان علامة الإيمان، وهو أن الشخص إذا أحب الأنصار دلّ على أنه مؤمنٌ، كما نصّ عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والعكس بالعكس.
٢ - (ومنها): بيان أن حبّ الأنصار، بل وحبّ الصحابة - رضي الله عنهم - جميعًا عنوان لحبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن بغضهم عنوان لبغضه - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم "فبحبي أحبهم، وببغضي أبغضهم".
٣ - (ومنها): بيان أن حبّ الأنصار عنوان لمحبّة الله تعالى لمن أحبهم، وبغضه لمن أبغضهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - الآتي:"مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ".
٤ - (ومنها): بيان مناقب الأنصار - رضي الله عنهم -، حيث جعل الله - سبحانه وتعالى - حبهم شعبة من شعب الإيمان؛ لمبادرتهم بالاستجابة لدينه تعالى، ونصرهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإيوائهم له وللمهاجرين في دينهم.
قال في "الفتح": وإنما خُصَّ الأنصار بهذه المنقبة العظمى؛ لما فازوا به دون غيرهم من القبائل، من إيواء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، والقيام بأمرهم،