أبغضهم"، لكنهم لَمّا كانوا في سَوَابقهم، ومراتبهم متفاوتين، فمنهم المتمكّن الأمكن، والتالي والمقدّم، خَصّ الأمكن منهم بالذكر في هذا الحديث، وإن كان كلٌّ منهم له في السوابق أشرف حديث، وهذا كما قال العليّ الأعلى - سبحانه وتعالى -: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} إلى قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[النساء: ٩٥]. ثم قال:
[تنبيه]: من أبغض من ذكرنا من الصحابة - رضي الله عنهم - من غير تلك الجهات التي ذكرناها، بل لأمر طارئ وحَدَثٍ واقعٍ، من مخالفة غرض أو ضرر حصل، أو نحو ذلك لم يكن كافرًا ولا منافقًا بسبب ذلك؛ لأنهم - رضي الله تعالى عن جميعهم - قد وقعت بينهم مخالفات عظيمة، وحروب هائلة، ومع ذلك لم يُكفّر بعضهم بعضًا، ولا حكم عليه بالنفاق لما جرى بينهم من ذلك، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام، فإما أن يكون كلهم مصيبًا فيما ظهر له، أو المصيب واحد، والمخطئ معذورٌ، بل مخاطب بالعمل على ما يراه ويظنّه مأجورٌ، فمن وقع له بغضٌ في واحد منهم لشيء من ذلك، فهو عاصٍ يجب عليه التوبة من ذلك، ومجاهدة نفسه في زوال ما وقع له من ذلك، بأن يذكر فضائلهم، وسوابقهم، وما لهم على كلّ من بعدهم من الحقوق الدينيّة والدنيويّة؛ إذ لم يصل إلى أحد ممن بعدهم شيء من الدنيا ولا الدين إلا بهم وبسببهم وأدبهم وصلت إلينا كلّ النعم، واندفعت عنا كلّ الجهالات والنقم، ومن حصلت به مصالح الدنيا والآخرة، فبغضه كفران النعم، وصفقة خاسرة. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وبحثٌ أنيس، والله تعالى أعلم.
٥ - (ومنها): ما قاله الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: هذا المعنى يرجع إلى ما تقدّم من أن من أحبّ المرء لا يحبّه إلا لله من علامات الإيمان، وأن الحبّ في الله من أوثق عُرى الإيمان، وأنه أفضل الإيمان، فالأنصار
= فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدهم، ولا نَصِيفه"، وغيره من الأحاديث الكثيرة، فتحسين الترمذي رحمه الله تعالى يكون من هذا الباب، والله تعالى أعلم.