٣ - (ومنها): بيان أن أهل الكتاب ما كان لهم السحور؛ فكانوا لا يأكلون ولا يشربون بعد النوم كما كان ذلك في أول الإسلام، حيث إن من نام لا يحلّ له إذا استيقظ أن يأكل، ويشرب، ويجامع أهله، حتى نسخه الله تعالى بقوله:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى أن قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}[البقرة: ١٨٧] الآية.
٤ - (ومنها): بيان ما منّ الله تعالى به على هذه الأمة من التخفيف والتيسير، ورفع الإصر والأغلال التي كانت على بني إسرائيل، فشرع لهم السحور حتى يتقوّوا به على الصوم، وجعله فاصلًا بين صومهم وبين صوم أهل الكتاب.
٥ - (ومنها): بيان أن ما جاء به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كله سهل، وشر، فقد رفع الله تعالى بسببه كل العسر، قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} إلى أن قال: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الآية [الأعراف: ١٥٧]. قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره"(٢/ ٢٥٥):
أي أنه جاء بالتيسير والسماحة، كما ورد الحديث من طُرُق عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"بُعِثتُ بالحنيفية السَّمْحَة"، وقال -صلى الله عليه وسلم- لأميريه: معاذ وأبي موسى الأشعريّ لما بعثهما إلى اليمن: "بشِّرا ولاتنفرا، وَيسِّرا ولاتُعَسِّرا، وتطاوعا، ولا تختلفا"، متّفقٌ عليه.
وقال صاحبه أبو برزة الأسلميّ -رضي الله عنه-: "إني صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشَهِدت تيسيره"، وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضِيقٌ عليهم، فوسّع الله على هذه الأمة أمورها، وسقلها لهم، ولهذا قال رسول الله لمجر:"إن الله تجاوز لأمتي ما حَدَّثت به أنفسها، ما لم تَقُل، أو تعمل"، متّفقٌ عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم:"رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه"، ولهذا أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦)} [البقرة: ٢٨٦]، وثبت في "صحيح مسلم": أن الله تعالى قال بعد كل سؤال، مِن هذه: