للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: قيل: يَحْتَمِل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا، وقيل: التعجب من نفسها حيث جاءت بمثل هذا الحديث الذي يُسْتَحيى من ذكره، لا سيما حديث المرأة به عن نفسها للرجال، لكنها اضطرت إلى ذكره؛ لتجليغ الحديث والعلم، فتتعجب من ضرورة الحال المضطرَّة لها إلى ذلك، وقيل: ضحكت سروراً بتذكر مكانها من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وحالها معه، وملاطفته لها، قال القاضي: وَيحْتَمِل أنها ضحكت خَجلاً؛ لإخبارها عن نفسها بذلك، أو تنبيهًا على أنها صاحبة القصّة؛ ليكون أبلغ في الثقة بحديثها. انتهى (١).

وقد رَوَى ابن أبي شيبة، عن شريك، عن هشام في هذا الحديث: "فضحكت، فظننا أنها هي"، وروى النسائيّ من طريق طلحة بن عبد الله التيميّ، عن عائشة قالت: "أهوى إليّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليقبّلني، فقلت: إني صائمة، فقال: وأنا صائم، فقبّلني"، قال الحافظ: وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك من لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل، لا للتفرقة بين الشاب والشيخ؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - كانت شابة، نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فَرَّق مَن فَرَّق، وقال المازريّ: ينبغي أن يُعْتَبَر حال المقبِّل، فإن أثارت منه القبلة الإنزال حَرُمَت عليه؛ لأن الإنزال يُمنع منه الصائم، فكذلك ما أدى إليه، وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال: يحرم في حقّه، ومن رأى أن لا قضاء قال: يكره، وإن لم تؤدِّ القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها، إلا على القول بسدّ الذريعة.

ظ ل الجامع عفا الله عنه: لا يخفى بُعد هذه الآراء لإطلاق النصوص، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لَمّا سُئل عن قبلة الصائم، أجازه مطلقاً، ولم يفصل بين ما أدّى إلى إنزال المنيّ، أو المذي، بل غضب حين قال له السائل: "قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك، وما تأخّر".

والحاصل أن القبلة جائزة على إطلاقها، وإنما الممنوع هو الجماع فقط، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، وسيأتي بيان اختلاف العلماء في ذلك، وترجيح الراجح بدليله، قريباً - إن شاء الله تعالى -.


(١) "إكمال المعلم" ٤/ ٤٤.