للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[تنبيه آخر]: رواية ابن عليّة هذه عند ابن ماجه صورتها صورة إرسال، ووجه ذلك أن إبراهيم قال: "دخل الأسود، ومسروق … إلخ"؛ لأن من حكى قصّةً أو واقعة لم يشهدها، ولم يكن أدركها، تكون منقطعة، قال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: والقاعدة أن الراوي إذا رَوَى حديثاً في قصّة، أو واقعةٍ، فإن كان أدرك ما رواه بأن حَكَى قصّة وقعت بين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض الصحابة، والراوي لذلك صحابيّ أدرك تلك الواقعة، فهي محكوم لها بالاتصال، وإن لم يُعْلَم أنه شاهدها، وإن لم يُدرِك تلك الواقعة، فهو مرسل صحابيّ، وإن كان الراوي تابعياً، فهو منقطع، وإن رَوَى التابعيّ عن الصحابيّ قصّة أدرك وقوعها فمتصل، وكذا إن لم يدرك وقوعها، ولكن أسندها له، وإلا فمنقطعةٌ، قال: وقد حَكَى اتفاقَ أهل التمييز من أهل الحديث على ذلك ابنُ الْمَوّاق، قال: وما حكاه ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل من أن "عَنْ"، و"أنّ" ليسا سواءً، مُنَزَّل على هذه القاعدة، فإن الخطيب رواه في "الكفاية" بسنده إلى أبي داود، قال: سمعت أحمد قيل له: إن رجلاً قال: قال عروة: إن عائشة قالت: يا رسول الله، وعن عروة، عن عائشة سواءٌ؟ قال: كيف هذا سواء؟ ليس هذا بسواء، فإنما فَرّق أحمد بين اللفظين؛ لأن عروة في اللفظ الأول لم يُسند ذلك إلى عائشة، ولا أدرك القصة، فكانت مرسلة، وأما اللفظ الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة، فكانت متصلة. انتهى كلام العراقيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا.

وإلى القاعدة المذكورة أشار السيوطيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "ألفيّة الحديث" حيث قال:

وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكَ قِصَّةً رَوَى … مُتصِلٌ وَغَيْرُهُ قَطْعاً حَوَى

والجواب عن رواية ابن ماجه هذه أنه تبيّن كونها متّصلة بالروايات السابقة، حيث إن إبراهيم روى عن الأسود ومسروق، كلاهما عن عائشة، وكذا رواية المصنّف هنا ظاهرة في الاتصال أيضًا، ومثلها رواية الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- من طريق ابن عليّة حيث قال في "مسنده" (٦/ ٢١٦): حدّثنا


(١) راجع: "تدريب الراوي" ١/ ٢١٨.