للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَمَا) أداة استفتاح، وتنبيه، كـ "ألا" (وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ") قال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -: أي لأكثركم تقوى، والتقوى بمعنى الوقاية، والخشيةُ: الخوف، وقد فرّق بعض الناس بينهما، فقال: الخشية أشدّ الخوف، وقيل: الخوف: التطلّع لنفس الضرر، والخشيةُ: التطلّع لفاعل الضرر، وإنما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أشدّ الناس خشية؛ لأنه أعظمهم له معرفةً. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-.

وقال قبل ذلك: قوله: "قد غفر الله لك … إلخ" هذا قول من خطر بباله أنه يلزم من كونه مغفوراً له مسامحته في بعض الممنوعات، وهذا الخاطر مهما أُصغي إليه لزم منه إسقاط التكاليف، وكذلك قد يقع مثله أيضًا عند سماع قوله - صلى الله عليه وسلم - حقّ التائب بعد الثالثة: "اعمل ما شئت، فقد غفرت لك" (١)، وهذا الخاطر باطل بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأتقاكم لله، وأشدّكم له خشية"، وبدليل الإجماع المعلوم على أن التكاليف لا تسقط عمن حصلت له شروطها، وإنما محلّ هذه الظواهر الموجبة للغفران في المستقبل على المعونة على الطاعات، والحفظ عن المخالفات، بحيث لا تقع الذنوب منه فيما يأتي، ويصحّ أن يُعبّر عن المعنى بالمغفرة؛ لأن المغفرة هي الستر، وهذا قد سُتر بالطاعات عن المعاصي، بحيث لا تقع منه، أو لأن حاله حال المغفور له، من حيث إنه لا ذنب له، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الأقرب في معنى قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: "اعمل ما شئت … إلخ" أي ما دُمت بهذه الصفة، وهي التوبة كلما وقع في الذنب.


(١) هو ما أخرجه الشيخان، وأحمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخكِي عن ربه: "أذنب عبدي ذنباً، فقال: يا رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له ربّاَ يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب - ثلاث مرار - قال: فيقول: اعمل ما شئت، قد غفرت لك"، هذا لفظ أحمد، ولفظ الشيخين مطوّل.
(٢) "المفهم" ٣/ ١٦٤ - ١٦٥.