قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي صححه في النظم من إسقاطه في الأول، وكذا ما ذكره القاضي من أنهم متّفقون على طرحه، محل نظر، بل المحقّقون على قبوله فيه أيضًا، كما اختاره في "جمع الجوامع"؛ وفاقاً لابن السمعانيّ وغيره، وحكاه الفخر الشاشيّ عن الشافعيّ، وحكى الصفيّ الهنديّ والآمديّ الاتفاق عليه؛ لاحتمال نسيان الأصل له بعد روايته للفرع، ولأن الفرع عدل ضابط إلى آخر شروطه، وقد تقرّر أنه يجب العمل بخبره، والوجوب لا يسقط بالاحتمال، والأصل وإن كان عدلًا ضابطًا أيضًا لكنه كذبَ عدلًا، وتكذيب العدل خلاف الظاهر.
لا يقال: يلزم أن يكون الأصل كاذبًا، وهو أيضًا عدلٌ، فيكون خلاف الظاهر؛ لأنا نقول: بل هو الظاهر؛ لأنه كذّب في التكذيب للفرع العدل، وقد عَلِمت أنه خلاف الظاهر، فيكون كذب الأصل هو الأصل إلا أنه لعدالته يُحمَل على النسيان.
وهذا القول هو الراجح عند المحدّثين كما قال السخاويّ نقلاً عن الحافظ، ويدلّ عليه صنيع الشيخين، حيث أخرجا حديث عمرو بن دينار، عن أبي معبد، عن ابن عبّاس -رضي الله عنها- "ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بالتكبير" مع قول أبي معبد لعمرو: لم أُحدّثك به، فمانه دلّ على أن الشيخين يريان صحّة الحديث، ولو أنكره الأصل؛ إذ الناقل عنه عدلٌ، فيُحَمل على أن الشيخ نسي.
هذا كلّه فيما إذا نفاه الشيخ صريحًا، أما إذا نفاه بما يَحتمل، كأن قال: لا أعرفه، أو لا أذكره، أو قال: نسيت، أو نحو ذلك، فإنه يُقبل من باب أولى، والقول بإنكار هذا ضعيفٌ، راجع شرحي "إسعاف ذوي الوطر على ألفيّة الأثر" المذكورة (١).