للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الماء لتسعة سموه: عشرًا؛ وذلك أنهم: يحسبون في الإظماء يوم الورود، فإذا أقامت الإبل في الرعي يومين، ثم وردت في الثالث قالوا: وَرَدت رِبْعًا. وإذا وردت في الرابع قالوا: وردت خِمْسًا؛ لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي، وأول اليوم الذي ترِد فيه بعده، وهذا فيه بُعْد؛ إذ لا يمكن أن يعتبر في عدد ليالي العشر وأيامه ما يعتبر في الإظماء، فتأمله.

وعلى القول الأول سعيد والحسن ومالك وجماعة من السَّلف، وذهب قوم: إلى أنه التاسع، وبه قال الشافعي متمسِّكًا بما ذكر في الإظماء، وبحديث ابن عباس الآتي إن شاء الله.

وذهب جماعة من السَّلف: إلى الجمع بين صيام التاسع والعاشر، وبه قال الشافعيّ قوله الآخر، وأحمد، وإسحاق، وهو قول من أشكل عليه التعيين، فجمع بين الأمرين احتياطًا. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

[التنبيه الثاني]: زعم ابن دُريد أن عاشوراء اسم إسلاميّ، وأنه لا يُعْرَف في الجاهلية، ورَدّ ذلك عليه ابن دحية بأن ابن الأعرابيّ حَكَى أنه سمع في كلامهم خابوراء، وبقول عائشة - رضي الله عنها - أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه. انتهى، قال الحافظ: وهذا الأخير لا دلالة فيه على ردّ ما قال ابن دريد. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ أن لفظ عاشورء مما استعملته العرب قبل الإسلام، وكذا سائر الألفاظ الشرعيّة، كالصلاة، والزكاة، والحج، ونحوها، فإنه كانت مستعملة عندهم في الجاهليّة، ثم جاء الإسلام فخاطبهم بما كانوا يعرفونه، ولذا لم يُسمع أنهم استفسروا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الألفاظ، فلم يقولوا: ما الصلاة، وما الزكاة، وما الحج؛ وهكذا، بل بمجرّد أنْ خَاطَبَهُمْ بتلك الألفاظ أجاب من أجاب، وأبى من أبي.

ولقد أجاد في هذا البحث القاضي عياض رحمه الله، حيث قال ما حاصله: إن ألفاظ العبادات واردة في الشرع على ما عَهِدَه أهل اللغة، خلافًا لجماهير المتكلّمين؛ إذ كانوا يصومون، وَيَعْرِفون الصوم، ويحجّون، ويعرفون الحجّ، فخاطبهم الشرع بما عَلِموه تحقيقًا، لا أنه أتاهم بألفاظ مؤتنقة ابتدعها لهم،


(١) "المفهم" ٣/ ١٩٠.