للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا، ولا تنافي بينهما؛ إذ من الممكن أن يصوم التاسع، ويخبر أنه إن بقي إلى العام المقبل صامه، أو يكون ابن عباس أخبر عن فعله؛ مستندًا إلى ما عَزَم عليه، ووعد به، ويصح الإخبار عن ذلك مقيدًا؛ أي كذلك كان يفعل لو بقي، ومطلقًا إذا علم الحال، وعلى كل واحد من الاحتمالين، فلا تنافي بين الخبرين.

وأما الإشكال الخامس، فقد تقدم جوابه بما فيه كفاية.

وأما الإشكال السادس، وهو قول ابن عباس: اعدُد، وأصبح يوم التاسع صائمًا، فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبيّن له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يَعُدّه الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فعلُ ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حَمَلَ فعله على الأمر به، وعزمِه عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: "صوموا يومًا قبله، ويومًا بعده"، وهو الذي روى: أمرَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر، وكل هذه الآثار عنه يصدِّق بعضها بعضًا، ويؤيد بعضها بعضًا.

فمراتب صومه ثلاثة: أكملها أن يصام قبله يومٌ، وبعده يوم (١)، ويلي ذلك أن يصام التاسع العاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم.

وأما إفراد التاسع فمِنْ نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب.

وقد سلك بعض أهل العلم مسلكًا آخر، فقال: قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة، مع الإتيان بها، وذلك يحصُل بأحد أمرين: إما بنقل العاشر إلى التاسع، أو بصيامهما معًا، وقوله: "إذا كان العام المقبل صمنا التاسع" يَحْتَمِل الأمرين، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتبيّن لنا مراده، فكان


(١) تقدّم: "صوموا يومًا قبله، ويومًا بعده" ضعيف.