للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده"، وقد أشار البخاريّ إلى أن التقييد بذلك ورفى في حديث جابر - رضي الله عنه - أيضًا، حيث قال بعد إخراجه الحديث عن أبي عاصم، عن ابن جريج ما نصّه: زاد غير أبي عاصم: يعني أن ينفرد بصومه. انتهى.

قال في "الفتح": والغير المشار إليه جزم البيهقيّ بأنه يحيى بن سعيد القطان، وهو كما قال، لكن لم يتعيّن، فقد أخرجه النسائيّ بالزيادة من طريقه، ومن طريق النضر بن شُميل، وحفص بن غياث، ولفظ يحيى: "أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن يُفْرَد يوم الجمعة بصوم؟ قال: إي ورب الكعبة ولفظ حفص: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم الجمعة مفردًا ولفظ النضر: "أن جابرًا سئل عن صوم يوم الجمعة، فقال: نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُفْرَد". انتهى (١).

وقوله: (وَرَث هَذَا الْبَيْتِ) قسم ذكره تأكيدًا لجوابه، وفي رواية النسائيّ: "وربّ الكعبة"، وعزاها صاحب "العمدة" لمسلم، فوَهِمَ، قاله في "الفتح" (٢).

قال النوويّ رحمه الله: وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعيّ وموافقيهم: إنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق عادة له، فإن وصله بيوم قبله، أو بعده، أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدًا، فوافق يوم الجمعة لم يكره؛ لهذه الأحاديث، وأما قول مالك في "الموطأ": لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن به يُقْتَدَى نهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامُهُ حَسَنٌ، وقد رأيت بعض أهل العلم (٣) يصومه، وأراه كان يتحراه، فهذا الذي قاله هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعيّن القول به، ومالك معذور، فإنه لم يبلغه، قال الداوديّ من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه. انتهى كلام النوويّ رحمه الله، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ٤١٧/ ٥ - ٤١٨.
(٢) "الفتح" ٥/ ٤١٧.
(٣) قال القرطبيّ رحمه الله في "المفهم" (٣/ ٢٠١): قيل: إنه محمد بن المنكدر. انتهى.