للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جبير، فمنهم من قال: إن السائل امرأة، ومنهم من قال: رجل، ومنهم من قال: إن السؤال وقع عن نذر، فمنهم من فَسَّره بالصوم، ومنهم من فسره بالحج، والذي يظهر أنهما قِصَّتان، ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية، كما في رواية أبي حريز المعلّقة عند البخاريّ، والسائلة عن نذر الحج جُهنية. وقد روى مسلم من حديث بُريدة: أن امرأة سألت عن الحج، وعن الصوم معًا.

وأما الاختلاف في كون السائل رجلًا أو امرأةً، والمسؤل عنه أختًا، أوأُمًّا فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث؛ لأن الغرض منه مشروعية الصوم، أو الحج عن الميت، ولا اضطراب في ذلك. انتهى (١).

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَرَأَيْتِ) أي: أخبريني (لَوْ كَانَ عَلَيْهَا) أي على أمها (دَيْن، "كُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ ") وفي رواية الحكم: "قال: أرأيت لو كان على أمك دين، فقضيته، أكان يؤدّي ذلكِ عنها؟ " (قَالَتْ) المرأة السائلة (نَعَمْ) أي أقضيه عنها، ويؤدّي ما كان عليها (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ") وفي رواية زائدة: "فدين الله أحقّ أن يُقضى وفي رواية الحكم: "قال: فصومي عن أمّك".

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقوله: "لو كان على أمك دين كنت قاضيته؟ " مشعر: بأن ذلك على الندب لمن طابت به نفسه؛ لأنه لا يجب على ولي الميت أن يؤدِّي من ماله عن الميت دينًا بالاتفاق، لكن من تبرع به انتفع به الميت، وبرئت ذمته، ويمكن أن يقال: إن مقصود الشرع: أن وليّ الميت إذا عَمِل العمل بنفسه من صوم، أو حج، أو عمرة، فصيَّره للميت انتفع به الميت، ووصل إليه ثوابه، ويعتضد ذلك: بأنه - صلى الله عليه وسلم - شبَّه قضاء الصوم عن الميت بقضاء الدَّين عنه، والدَّين إنما يقضيه الإنسان عن غيره من مال حصَّله لنفسه، ثم بعد ذلك يقضيه عن غيره، أو يهبه له. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ٥/ ٣٥٧.
(٢) "المفهم" ٣/ ٢١٠.