للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكتاب إلا ليؤمنن به، فحُذف المبتدأ، وبقيت صفته، ومثله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١].

وتدخل أيضاً على الجملة الفعلية، نحو: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى} [التوبة: ١٠٧] {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} [النساء: ١١٧] {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٥٢] {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: ٥].

قال: وقول بعضهم: لا تأتي "إِن" النافية إلا وبعدها "إلا" كهذه الآيات، أو "لَمَّا" المشددة التي بمعناها، كقراءة بعض السبعة: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: ٤] بتشديد الميم؛ أي: ما كلُّ نفس إلا عليها حافظ، مردود بقوله تعالى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: ٦٨]، {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ} [الجن: ٢٥]، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: ١١١] انتهى كلام ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

والمعنى هنا: ما (صَامَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (شَهْراً مَعْلُوماً) وفي رواية أيوب الآتية: "وما رأيته صام شهراً كاملاً" (سِوَى رَمَضَانَ، حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ) وفي الرواية التالية: "حتى مضى لسبيله"، وهو كناية عن الموت؛ أي حتى مات، قال القاري -رَحِمَهُ اللهُ-: واللام في "لسبيله" مثلها في قولك: لقيته لثلاث بَقِين من الشهر، تريد مُستقبلاً لثلاث؛ أي كان حالُه ما ذُكِر إلى أن مات، وفيه إشارة إلى أنه بُعِث لأداء الرسالة، فلما أدّاها مضى إلى مأواه ومستقرّه. انتهى (٢).

(وَلَا أَفْطَرَهُ) أي الشهر المعلوم (حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ) أي حتى يصيب بعضه بالصوم، وهو بمعنى قوله في رواية التالية: "حتى يصوم منه".

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "حتى" هذه بمعنى "كي"، كقولك: سرت حتى أدخلَ البلد بالنصب؛ إذا كان دخولك مُتَرَقَّباً لَمَّا يوجد، كأنك قلت: سرت كي أدخلَها، أو كان منقضياً، إلا أنه في حكم المستقبل، من حيث إنه في وقت وجود السير المفعول من أجله كان مترقَّباً.

وتحريره إن "حتى" هنا غاية عدم العلم باستمرار الإفطار المستعقِب للصوم، و"حتى" في قوله: "حتى مضى … إلخ" غاية لعدم علمه بالحالتين،


(١) "مغني اللبيب" ١/ ٣٣ - ٣٤.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٤٦٥.