على ما لا يخفى؛ لأن الشخص إذا لم يكن معيَّناً كيف ينفر غيره من صنيعه، وأما قوله: أراد تنفير عبد الله فكان الأحسن فيه أن يقال: أراد ترغيب عبد الله في قيام الليل حتى لا يكون مثل من كان قائماً منه ثم تركه. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى على البصير كون هذه التعقبات مجرّد تشويش، فليُتنبّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ) بزيادة الياء، وفي نسخة: "لا تكن مثل فلان" بإسقاط الباء؛ أي لا تكن مثله في هذه الخصلة التي أذكرها لك، وهي أنه (كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ) أي بعضه للتهجد فيه، وفي رواية البخاريّ: "من الليل"، قال في "العمدة": وليس في رواية الأكثرين لفظ "من" موجوداً، بل اللفظ: "كان يقوم الليل"؛ أي في الليل، والمراد في جزء من أجزائه، فتكون "من" بمعنى "في"، نحو قوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة: ٩] أي في يوم الجمعة. انتهى (١).
(فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ") الظاهر أن تركه ذلك كان من غير عذر؛ لأنه لو كان لعذر لما ذُمّ بتركه، بل ثبت أنه يكتب له أجره، لما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من حديث أبي موسى الأشعري: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَر، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً، صَحِيحاً".
وكأنه - صلى الله عليه وسلم - يُرغّب عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - في الاقتصاد في العبادة، وعدم التشديد على نفسه بتكليفها ما لا تستطيع القيام به؛ لأن ذلك يؤدي إلى تركها، فيكون مثل هذا الرجل المذموم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣٧/ ٢٧٣٣](١١٥٩)، و (البخاريّ) في "التهجّد"