عائشة - رضي الله عنها - (نَعَمْ) أي كان يصومها؛ أي وهذا أقل ما كان يقتصر عليه (فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ) احترازٌ من أيام الأسبوع (كَانَ يَصُومُ؟) أي هذه الثلاثة، من أولها، أو أوسطها، وآخرها، متصلةً، أو منفصلة؟ (قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي) أي لم يكن يَهْتَمّ للتعيين (مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ) أي كان يصومها بحسب ما يقتضي رأيه الشريف، فتارةً من أولها، وتارةً من وسطها، وتارةً من آخرها.
[فإن قلت]: كيف تجمع بين هذا الحديث وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "كان يصوم من غُرّة كل شهر ثلاثة أيام"؟، رواه أبو داود.
[أجيب]: بأن ابن مسعود - رضي الله عنه - حدّث بما اطلع عليه من أحوال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وظنّ أنه الغالب منها، وعائشة - رضي الله عنها - اطلعت من ذلك على ما لم يطلع عليه هو، فحدّثت بما علمت، فلا تنافي بين الأمرين.
وقال العراقيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يَحْتَمِل أنه يريد بغرته أوله، وأن يريد الأيام الغُرّ؛ أي الْبِيض، وقال القاضي عياض: غُرَر الشهر أوائله. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ-.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣٨/ ٢٧٤٤](١١٦٠)، و (أبو داود) في "الصوم"(٢٤٥٣)، و (الترمذيّ) في "الصوم"(٧٦٣)، و (ابن ماجه) في "الصيام"(١٧٠٩)، و (أحمد) في "مسنده"(٦/ ١٤٥)، و (ابن خزيمة) في "صحيحه"(٢١٣٠)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(٣/ ٢٤١)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٤/ ٢٩٥)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان استحباب صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر.
٢ - (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من إكثار الصوم والاجتهاد فيه.
(١) راجع: "فيض القدير على الجامع الصغير" للمناويّ -رَحِمَهُ اللهُ- ٥/ ٢٢٦.