للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ) أي بعد فضل صيام شهر رمضان (شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: إنما كان أفضل - والله تعالى أعلم - من أجل أن المحرّم أول السنة المستأنفة التي لم يجئ بعدُ رمضانُها، فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال، والذي أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - بأنه ضياء، فإذا استفتح سَنَتَهُ بالضياء مشى فيه بقيتها، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- بتغيير يسير (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من صوم شعبان دون المحرَّم، وذكرنا فيه جوابين:

[أحدهما]: لعله إنما عَلِم - صلى الله عليه وسلم - فضله في آخر حياته.

[والثاني]: لعله - صلى الله عليه وسلم - كان يَعْرِض له فيه أعذار، من سفر، أو مرض، أو غيرهما. انتهى (٢).

وفيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم بعد رمضان.

أفمان قيل]: هذا يعارض ما صحّ من حديث عائشة - رضي الله عنها -، أنها قالت: "لم أره - تعني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صائماً من شهر قطّ أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، يصوم شعبان إلا قليلاً".

[أجيب] عنه بجوابين:

(أحدهما): لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه.

(الثاني): لعله كان يعرض له فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر، ومرض، وغيرهما. أفاده النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣).

[تنبيه]: قال الحافظ أبو الفضل العراقي -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرح الترمذيّ": الحكمة في تسمية المحزم شهر الله، والشهور كلها لله يَحْتَمِل أن يقال: إنه لما كان من الأشهر الحرم التي حرّم الله تعالى فيها القتال، وكان أول شهور السنة، أُضيف إليه إضافة تخصيص، ولم يصحّ إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى


(١) "المفهم" ٣/ ٢٣٥.
(٢) "شرح النوويّ" ٨/ ٥٥.
(٣) "شرح مسلم" ٨/ ٥٥.