للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة، وقال مالك، وأبو حنيفة: يكره ذلك، قال مالك في "الموطأ": ما رأيت أحدًا من أهل العلم يصومها، قالوا: فيكره؛ لئلا يُظَنّ وجوبه، ودليل الشافعيّ، وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة، لا تترك لترك بعض الناس، أو أكثرهم، أو كلهم لها، وقولُهُم: قد يُظَنّ وجوبها يَنتَقِض بصوم عرفة وعاشوراء، وغيرهما من الصوم المندوب.

قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرّقها، أوأخّرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يَصْدُق أنه أتبعه ستًّا من شوال، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضانُ بعشرة أشهر، والستة بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في "كتاب النسائي". انتهى (١).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ- بعد ذكر اختلاف الروايات - ما نصّه:

[فإن قيل]: فيلزم على هذا مساواة الفرضِ النفلَ في تضعيف الثواب، وهو خلاف المعلوم من الشرع؛ إذ قد تقرر فيه: أن أفضل ما تقرب به المتقربون إلى الله تعالى ما افترض عليهم.

وبيان ذلك: أنه قد تقدم: أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدَّهر؛ أي: السَّنة، وهذه الثلاثة تطوّع بالاتفاق، فقد لزم مساواة الفرض للنفل في الثواب.

والجواب: على تسليم ما ذُكِر -من أن ثواب الفرض أكثر- أن نقول: إن صيام ثلاثة أيام من كل شهر إنما صار بمنزلة صيام سنة بالتضعيف؛ لأن المباشَرَ من أيامها بالصوم ثلاثة أعشارها، ثم لما جُعِل كل يوم بمنزلة عشر كملت السنة بالتضعيف، وأما صوم رمضان مع الستة: فيصح أن يقال فيه: إنه بمنزلة سنة بوشرت بالصوم أيامها، ثم ضوعفت كل يوم من أيام السَّنة بعشر، فتضاعف العدد، فصارت هذه السنة بمنزلة ثنتي عشرة سنة بالتضعيف، وذلك أن السنة ثلاثمائة وستون يوماً، فإذا ضَرَبتَ ثلاثمائة وستين في عشرة صارت ثلاثة آلاف وستمائة.


(١) "شرح النوويّ" ٨/ ٥٦.