[الثالثة]: الاضطراب الواقع في إسناده، وقد أجاد بعض أهل التحقيق من المعاصرين (١) في دراسة هذا الحديث دراسة وافية، فتوصّل فيها إلى أن هذا الحديث شديد الضعف؛ لهذه العلل، وقد أجاد في ذلك وأفاد، فجزاه الله عن خدمة السنّة خير الجزاء.
والحاصل أن الحديث ضعيف، لا يثبت بمثله مخالفة ما عليه جماهير أهل العلم من أن الحاجّ إذا تحلّل التحلّل الأول جاز له كلّ شيء إلا النساء، فتأمل بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): قال وليّ الدين العراقيّ - رحمه الله -: وإذا قلنا بقول الجمهور، فاختلف العلماء في كيفيّة ذلك التحلّل، فقال ابن حزم الظاهريّ: حلّ من كلّ وجه، وليس للحجّ إلا تحلّل واحد، فيباح له سائر المحرّمات على المحرم، إلا الجماع، فإنه مستمرّ التحريم إلى أن يطوف طواف الإفاضة، وليس ذلك لأنه بقي عليه شيء من إحرامه، بل انقضى إحرامه كلّه، ولكن الجماع محرّم على من هو في الحجّ، وإن لم يكن مُحْرِمًا.
وسبقه إلى ذلك الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين، من الشافعيّة، فقال: ليس للحجّ إلا تحلّل واحد، فإذا رمى جمرة العقبة زال إحرامه، وبقي حكمه حتى يحلق، ويطوف، كما أن الحائض إذا انقطع دمها زال الحيض، وبقي حكمه، وهو تحريم وطئها، حتى تغتسل، حكاه عنه صاحبه القاضي أبو الطيّب، وقال: هذا غلطٌ؛ لأن الطواف أحد أركان الحجّ، فكيف يزول الإحرام، وبعض الأركان باق؟ وهذان القائلان، وإن اتفقا على تحلّل واحد، فقد اختلفا في ذلك التحلّل، فقال الشيخ أبو حامد: هو بما سنحكيه بعد هذا عن الشافعيّة، وقال ابن حزم: هو دخول وقت الرمي بطلوع الشمس يوم النحر، فإذا دخل وقت الرمي حلّ المحرم، سواء رمى، أو لم يرم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم -
(١) وهو الشيخ الفاضل محمد سعيد بن عبد الله الكثيري، وقد قدّم له العلامة المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعيّ - رحمه الله -، وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد.