للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(٣/ ٢٩٤ - ٢٩٥)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (٥/ ٦٢)، و"المعرفة" (٤/ ٢٨)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاكتحال للمحرم:

قال النوويّ رحمه الله: واتفق العلماء على جواز تضميد العين، وغيرها بالصبر، ونحوه، مما ليس بطيب، ولا فدية في ذلك، فإن احتاج إلى ما فيه طيب، جاز له فعله، وعليه الفدية. واتفق العلماء على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه، إذا احتاج إليه، ولا فدية عليه فيه.

وأما الاكتحال للزينة، فمكروه عند الشافعيّ، وآخرين، ومنعه جماعة، منهم: أحمد، وإسحاق، وفي مذهب مالك قولان كالمذهبين، وفي إيجاب الفدية عندهم بذلك خلاف، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله.

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: ونَهْيُ أبان بن عثمان للسائل أن يكحل عينيه ليس على إطلاقه، وكأنه إنما نهاه عن أن يكحلها بما فيه طيب، وتضميد العين هو: لطخها، والصبر ليس بطيب، ولا خلاف في جواز مثل هذا مما ليس فيه طيب، ولا زينة، فلو اكتحل المحرم، أو المحرمة بما فيه طيب افتديا. وكذلك المرأة إذا اكتحلت للزينة، وإن لم يكن فيه طيب، فلو اكتحل الرجل للزينة، فأباحه قوم، وكرهه آخرون، وهم: أحمد، وإسحاق، والثوريّ. وعلى القول بالمنع، فهل تجب الفدية، أم لا؟ قولان، وبالثاني قال الشافعيّ، رجلًا كان، أو امرأة. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد، وإسحاق، من منع الكحل للمحرم؛ لأنه ينافي صفة الحاجّ، فإنه ينبغي أن يكون أشعث أغبر، كما جاء في الحديث الصحيح: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شُعْثًا غُبْرًا" (٢)، لكن إن أصابه مرض؛ كالرَّمَد، ونحوه، فيكتحل بما ليس فيه طيب، كأن يضمده بالصبر، ونحوه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المفهم" ٣/ ٢٩٠.
(٢) حديث صحيح، رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم.